أعتقد أن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري كان محقاً عندما صرح قبل أيام بأن الانتخابات العراقية التي جرت أول من أمس ليست انتخابات عراقية فحسب، بل هي انتخابات إقليمية، يتابعها جيران العراق عن كثب، بل إن زيباري اتهم دول جوار العراق جميعها بأنها تدعم بصورة أو بأخرى أحد الأطراف العراقية، ما قاله زيباري ليس سراً، إنما هو تحدث بما كان مسكوتاً عنه من قبل، فليس سراً أن دول الجوار جميعها مهتمة جداً بما ستسفر عنه الانتخابات العراقية لأنها ستحدد توجهات العراق وطبيعة علاقاته مع هذه الدول في المرحلة المقبلة. وبما أن منصب رئيس الوزراء في العراق هو المنصب الأقوى، فإن كل دولة مهتمة بالشأن العراقي تتمنى أن يصل إلى رئاسة الوزراء من تستطيع التفاهم معه، ومن هذا المنطلق نجد أن بعض دول جوار العراق تريد أن يصبح أياد علاوي رئيساً للوزراء، وهناك من يريد إبراهيم الجعفري أو عادل عبدالمهدي، وهناك من يريد أن يستمر المالكي في رئاسة الوزراء.
يختلف سر اهتمام دول المنطقة ودول جوار خصوصاً بالانتخابات العراقية من دولة إلى دولة، فالكويت مثلاً يهمها بالدرجة الأولى أن يستقر العراق وأن يصل إلى السلطة من لا يفكر في تهديد سيادتها أو حدودها، وتركيا تسعى إلى تحقيق مكاسب اقتصادية وضمان عدم نشوء دولة كردية على حدودها، في حين أن إيران تريد أن تضمن نفوذاً سياسياً بحيث يتحول العراق إلى بعد استراتيجي لها بسبب البعد المذهبي باعتبار أن الشيعة يمثلون أغلبية في العراق.أما بقية دول المنطقة فقد فُسر اهتمامها بالانتخابات العراقية بأنه يعود إلى أن نموذج العراق الديمقراطي يمثل خطراً على أنظمتها غير الديمقراطية. نموذج التعددية الديمقراطية في العراق الذي يتمثل في أكثر من 200 حزب وكيان سياسي وتداول سلمي للسلطة، ونموذج الانفتاح الإعلامي الذي يتجسد في عشرات القنوات التلفزيونية ومئات الصحف، ونموذج حرية التعبير الذي يسمح بانتقاد أكبر مسؤول في الدولة بشكل علني، لا شك أن هذا النموذج مزعج جداً لهذه الدول، لأنه يفتح عيون شعوبها على ما هم محرومون منه، وإذا كان النموذج الكويتي المحدود في الديمقراطية يزعج هذه الدول، فما بالك بالنموذج العراقي الأكثر انفتاحاً. عطفاً على المخاوف التي تشعر بها هذه الدول، فإنه ليس من مصلحتها أن ينجح النموذج العراقي الجديد، ولذا فمن مصلحتها ألا يستقر العراق، وهكذا نجد أن بعض جيران العراق أقرب إلى إخوة يوسف، ولذا يريدون أن يلقوه فـي غيابة الجب.على الرغم من اختلاف التحالفات السياسية في العراق عما كانت عليه في انتخابات 2005 وتفكك الائتلافات وانتقال رموز سياسية من قائمة إلى أخرى وانحسار الاستقطاب الطائفي والعرقي، فإن نتائج الانتخابات على الأرجح لن تغير كثيراً من المشهد السياسي كثيراً، فعلى الأغلب سيتصدر ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي قائمة الفائزين ويليه الائتلاف الوطني بقيادة السيد عمار الحكيم ومن بعدهما يأتي الأكراد، ومن ثم قائمة العراقية بقيادة علاوي والهاشمي، ثم تليه القوى الأخرى بنسب أقل. ولأن من يريد أن يصل إلى رئاسة الوزراء عليه أن يضمن 163 صوتاً فإن أي كتلة مهما كانت قوتها لن تستطيع الوصول إلى هذا الرقم إلا بالتحالف مع كتلة كبيرة وكتل صغيرة، أو بالتحالف مع كتلتين كبيرتين. ولذا فإن ائتلافي المالكي والحكيم على الرغم مما بينهما من اختلاف فإنهما سيضطران إلى التحالف مرة أخرى، ومع ذلك فلن يكون هذا كافياً للوصول إلى رئاسة الوزراء، ولذا يتعين عليهما العودة لاستمالة الأكراد مرة أخرى حتى يستطيعا الوصول إلى الرقم السحري.وضوح خارطة التحالفات المحتملة لا يعني أن الحكومة العراقية ستشكل قريباً، بل أغلب الظن أنها ستحتاج إلى مخاض عسير من المفاوضات والمساومات التي قد تستمر أسابيع عدة وربما أشهرا عدة. أيا كان الطرف الذي سيمسك بالسلطة فإن عراقا مستقرا مزدهر أفضل لدول المنطقة من عراق يعصف به العنف والدمار. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
العراق وإخوة يوسف
09-03-2010