أكتب عن هذا الموضوع مدركاً أني أصل متأخراً بعض الشيء، فقد تناوله أغلب الكتّاب، وانقسموا فيه، كالعادة، والنائب الفاضل د. فيصل المسلم قد تقدم باستجوابه، لكن عذري أني حرصت على تقليب الأمر طوال الفترة الماضية والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة قبل الوصول إلى نتيجة، وسأحاول اليوم أن أفكك جزيئات الموضوع.
أولا، لن أتردد بالقول إن تلويح النائب فيصل المسلم بصورة من شيك شخصي لرئيس مجلس الحكومة هو تصرف خاطئ، ولعلها جريمة يعاقب عليها القانون، وأنه، وكما كتب وقيل، ربما أضر بسمعة سائر النظام المصرفي الكويتي، وكشف وجهاً جديداً من وجوه التردي الاقتصادي عندنا، ولكن لنتوقف هنا ونتساءل بتجرد: متى كانت الوثائق الشخصية، بل حتى الأوراق الرسمية التي يفترض أن تكون محاطة بالسرية، محل اعتبار عندنا في ثقافتنا؟ ألم نشهد ولعشرات المرات كشفاً لمثل هذه الوثائق في صحف ومجلات ومواقع إلكترونية لتمر مرور الكرام؟ ألا تذكرون ما نال رجل الأعمال حازم البريكان رحمه الله من تشهير وتجريح؟ ألم تنتشر بين الناس منذ فترة، وعلى سبيل المثال، صورة البطاقة المدنية للمتهمة بحريق الجهراء، دون أي اعتبار لحقوقها الإنسانية؟ ألم نشاهد ولعشرات المرات صوراً عن وثائق تابعة لمختلف الجهات الرسمية تم تسريبها بشكل غير قانوني لتستخدم لشتى الأغراض؟ فما المختلف هنا إذن؟! لنعترف ونذعن بأن ما جرى اليوم ما هو إلا حلقة في سلسلة تراخينا مجتمعياً وربما قانونياً تجاه هذه الأمور!وأما الفكرة التي يتكئ عليها البعض من أن 'ما يبنى على باطل فهو باطل' لا تصلح هنا، لأننا جميعا فقدنا أهليتنا لأن نلزم أحداً اليوم، سواء من النواب أو من غيرهم، بضرورة الالتزام بالمعايير الأخلاقية ونبل الفرسان عند التنازع، فقد سكتنا وقبلنا طويلاً مثل هذا الهرج والمرج، وقصارى ما نملك اليوم هو أن نستنجد بالقانون إن كان سيسعفنا.وعلى كل حال، فهذه الجزئية في يد القضاء الآن، وهو من سيحاكم النائب فيصل المسلم، وإن كنت لا أتوقع أن يصل الأمر إلى نتيجة، لأنه إن كان النواب يقيمون أسئلتهم وتحركاتهم على عبارة 'نمى إلى علمي'، فما المانع أن يقيم المسلم كل قضيته على صورة شيك شخصي يستطيع في نهاية المطاف أن يقول إنه وجده مرمياً عند عتبة بابه أو في صندوق بريده وجاء ليتحرى من موقعه كنائب للأمة؟ وإن لم يكن بحاجة إلى هذه الحكاية أصلا حتى يبرر استجوابه لرئيس الحكومة!ثانياً، تدور قضية النائب المسلم حول أن رئيس الوزراء قام بإعطاء أموال من حسابه الشخصي لنائب ما، والسؤال هنا: هل هذا اتهام لرئيس الوزراء برشوة هذا النائب؟ فإن كان الأمر كذلك فالنائب المسلم ملزم شعبياً، وقبل ذلك موضوعياً، بالكشف عن اسم النائب المرتشي لتتكامل الصورة أمام الجميع، وأما إن كان لا يتهم رئيس الحكومة بالرشوة وقصاراه الإشارة إلى فداحة التصرف على مستوى الممارسة السياسية، وأنه لا يصح أن يعطي رئيس السلطة التنفيذية النواب أي دعم، وأن الأمر مخل إلى الحد الذي يجب معه أن يستقيل من منصبه، فالسؤال اللازم هنا هو: ما الفرق بين هذا الشيك وذاك الذي ذهب إلى النائب الفاضل وليد الطبطبائي لدعم مبرته الخيرية؟ وأرجو ألا يتعلل أحد بأن شيك الطبطبائي كان تبرعاً معلناً فهذا لا يغير من أصل المسألة شيئاً فالمحك ليس سرية أو علنية الدعم إنما المبدأ نفسه، حيث لا يجوز أن يعطي رئيس الحكومة مالاً لأحد من النواب، وأما القول إن الطبطبائي فوق مستوى الشبهات فهو كلام لا قيمة له مع كامل الاحترام للطبطبائي طبعاً، فنحن لا نعرف من هو النائب الذي أخذ الشيك الآخر، ولعله فوق مستوى الشبهات أيضاً، ناهيك عن أننا بحاجة إلى أن نتفق على تعريف مستوى الشبهات هذا!الأمر الآخر الجدير بالنظر هو لماذا نعتبر الدعم المالي المباشر من سمو الرئيس أو من السلطة التنفيذية للنواب هو المرفوض فقط؟! إن الدعم الذي يتلقاه كثير من النواب يتخذ أشكالاً عديدة من التسهيلات والعطايا والهبات، وهذه كلها، إن نحن أردنا الإنصاف، نماذج من طرق استمالة هؤلاء النواب إلى حظيرة الحكومة، ولن أكون فجاً فأقول شراءهم.هذا كله يدفعني إلى أن أنتهي بالتساؤل: هل كان فيصل المسلم بحاجة إلى كل هذه القصة الغريبة الباهتة لكي يبرر استجوابه لرئيس الحكومة، خصوصاً أن محاور الاستجواب التي قرأناها تذكرنا بالنكتة الشهيرة 'ليش مو لابس طاقية'؟! لا أعتقد!
مقالات
فيصل المسلم... ليش مو لابس طاقية ؟!
16-11-2009