شاركت الأسبوع الماضي في دورة مكثفة تناولت على مدى ثلاثة أيام متواصلة الكثير من المفاهيم الإدارية المرتبطة بجودة الخدمة والمعايير المرتبطة برعاية متلقي هذه الخدمة، وكان من ضمن التمرينات التي أجريناها خلال الدورة تمرينٌ قمنا من خلاله بكتابة أبرز الصفات التي يراها كل واحد منا في نفسه، وبعدما انتهينا، رصد المدرب مختلف الإجابات وكتبها على لوحة علقها على الجدار، وكان الملاحظ أن جميع الإجابات لم تخرج عن صفات على شاكلة مخلص ومثابر ومجتهد ومواظب وصادق ومباشر وواسع النظرة ولا أتوقف عند التفاهات وأحترم الآخرين!

Ad

الظريف في المسألة أننا جميعا كنا نرى أنفسنا ملائكة تسير على الأرض أو شيئا قريبا من هذا، وحتى في الحالات النادرة التي تجرأ أحدنا على كتابة صفة غير إيجابية عن نفسه، مال إلى استخدام الألفاظ الدبلوماسية، فمثلاً وبدلاً من أن يقول عن نفسه أنه «دفش» وعنيف في حديثه وتعامله مع الآخرين، عبّر عن ذلك بالقول إنه صريح ومباشر ولا يحب المجاملات، وبدلاً من أن يقول مثلا إنه عجول وغير دقيق فقد قال إنه «سريع في اتخاذ القرارات»، وهكذا!

في اليوم التالي، طرح المدرب تمريناً آخر تمثل في سؤال حول أبرز الصفات السلبية التي نجدها في شخصيات مَن نتعامل معهم، مما يعيق نجاح علاقتنا بهم- بغض النظر عن طبيعة هذه العلاقة سواء أكانت اجتماعية أو في العمل- فانطلقنا نكتب، وبعدها قام المدرب كذلك برصد الإجابات على لوحة حرص على تعليقها بجانب اللوحة السابقة، فكانت المفاجأة الظريفة أن الإجابات أشبه ما تكون بصورة «نيغاتيف» عن تلك التي كتبناها عن أنفسنا.

نحن مخلصون في عيون أنفسنا في حين أن الآخرين غير ذلك. نحن مثابرون ومجتهدون في حين أن الآخرين كسالى ومترددون. نحن صادقون ومباشرون في حين أن الآخرين يلفون ويدورون إن لم يكونوا كذابين. نحن واسعو النظرة والأفق في حين أن الآخرين منغلقون ولا يرون أبعد من أنوفهم!

أظن أن القارئ قد استطاع هنا أن يصل إلى نفس الرسالة التي أراد المدرب إيصالها إلينا، وهي المفارقة الواضحة ما بين ما يراه الإنسان عن نفسه، وما قد يراه الآخرون عنه.

عندما ينشغل الإنسان في جريه الدائم في عجلة الحياة، تماماً مثل «الهامستر» على تلك العجلة الصغيرة التي يعلقونها في قفصه، لا يتوقف لتقييم نفسه، إنما يظل يحسب دوماً أنه على أبدع ما يكون وفي أفضل حال، ويتجه تلقائياً إلى نسبة كل العوائق والمشاكل التي تواجهه إلى الآخرين، فمشاكله في العمل بسبب رئيسه «النحيس»، وبسبب زميله «الوصولي»، وبسبب موظفيه «الكسالى»، ومشاكله في البيت بسبب زوجته «المهملة»، ومشاكله في الديوانية بسبب «ربعه اللي ما فيهم خير»، وغيرها وغيرها من عبارات التعليق على شماعة الآخر دائماً وأبداً!

رسالة اليوم بسيطة، وهي أن يراجع الإنسان نفسه، فيذكرها بأنه قد لا يكون الأجمل والأفضل والأحسن والأبدع، وأن الآخرين هم من قد يكونون كذلك، وأن إدراكه لهذه الحقيقة قد يكون الخطوة الأولى لإصلاح الكثير من مشاكله في علاقاته مع الآخرين إن لم يكن جميعها.