نشطتُ منذ فترة لوضع اللمسات الأخيرة على كتاب أُعده للنشر. وغرقت في المراجعة والتدقيق إلى أن اتخذ شكله النهائي. حتى انني ولمزيد من الحرص على إتمام المهمة، قمتُ باختيار صورة الغلاف المناسبة لموضوع الكتاب. ثم انتهى المطاف بالمخطوط إلى تخزينه في "فلاش ميموري" بحجم عقلة الإصبع. تم العمل ونام الكتاب في سبات لا يعلم مداه إلا الله!
لا أدري لماذا يساورنا القلق والتردد - معشر المؤلفين - كلما فكر أحدنا في إصدار ما؟ ولعل أحدنا بات يألف ذلك الشعور بما يشبه المغص الممزوج بالصداع وجفاف الحلق، كلما فكر بفتح موضوع النشر مع متعهد طباعة أو دار للنشر! إذ كالعادة يبدأ الحديث بإسماعك ديباجة مطولة عن كساد الكتاب وبواره في سوق السلع، هذا أولاً. ثم تُلحَق هذه الشكوى بشكوى أخرى حول ارتفاع سعر الورق وصناعة الكتاب. ثم يزداد لديك ارتفاع مستوى الأدرينالين، وأنت بصدد الاستماع إلى المبلغ المراد منك دفعه عدّاً ونقداً. وأخيراً يأتي دور عرَقك ليسيح بارداً، حين يبشرك الناشر بأنه لا علاقة له بالتوزيع، وإن كان له علاقة فعلى استحياء وتقشف، لأن نُسَخ كتابك سوف تصلك أكداساً في "كراتين"، لتنام أخيراً - بلا شر - في بقعة مظلمة من سرداب بيتك!! وبعد جلسة الحرب النفسية هذه، لا يبقى في جعبتك غير سؤال يظل من المحظورات التي لا يُسأل عنها، وهو السؤال عن ربحك من وراء هذا المشروع الكارثي! أستحضر هذا السيناريو المؤلم والمربك في آنٍ، كلما سمعت عن مبيعات الكتاب في أقطار العالم الحي، وكلما شاهدتُ أساليب عرض الكتب المغرية في المكتبات ومؤسسات النشر هناك، لتصبح الأكثر مبيعاً، والأكثر طباعة وقراءة. ناهيك عن الترويج لها في البرامج الحوارية ونوادي الكتاب التي تُبث في الفضائيات وعبر اللقاءات الجماهيرية مع المؤلفين. أستحضر هذا المشهد، ليس من أجل المقارنة فقط، وإنما لقياس حجم الغفلة واللامبالاة التي غرقنا بها وما نزال نغرق. ويبدو لي أن الحرب النفسية التي يشنها الناشرون عندنا على الكُتّاب ومعنوياتهم، ليست سوى وسيلة من وسائل المساومة غير المحمودة. وكم سيكون الأمر مربحاً لو راهن هؤلاء على التميّز والجودة التي لا يعدمها بعض الموهوبين والمتميزين! وكم سيكون المشهد مختلفاً لو روّجوا لجهود هؤلاء وابتكاراتهم وطروحاتهم التجديدية، لا أعتقد بأن الغربيين أو الشرقيين من أصحاب المؤلفات الأكثر مبيعاً أو الأكثر رواجاً في العالم، هم أكثر من كُتابنا ذكاءً أو موهبة أو قدرة. ولكنه التخاذل والتثبيط وقلة الإيمان ليس إلا. ويمكن أن نضيف في هذا المقام الغفلة والجهل، خاصة أن المساومات بين المؤلف والناشر عادة ما تتم، دون قراءة فاحصة للمخطوط، أو ترشيحه لأي مرتبة أدبية أو معنوية بين المؤلفات. فكل الكتب في عُرف الناشر ليست سوى صفقة تجارية. ترى، كم سنحتاج من زمن وجهد، لنغيّر هذه النظرة الدونية إلى الكتاب والكاتب؟!
توابل
الكتاب النائم!
23-06-2010