تدخل بريطانيا مع إطلالة صبيحة هذا اليوم عهداً جديداً ومرحلة مختلفة عن المرحلتين السابقتين، مرحلة مارغريت تاتشر وجون ميجر، ثم مرحلة توني بلير وغوردن براون، والتقديرات، بينما كانت صناديق الاقتراع تفتح أشداقها أمس لتزدرد ملايين الأوراق، تشير إلى أن الخيول الثلاثة (العمال والمحافظين والليبراليين الديمقراطيين) غير متباعدة الآذان والأنوف، وأن نتائج السباق ستكون متقاربة، وهذا يجعل الفترة اللاحقة صعبة وعديمة القرارات الحاسمة.

Ad

وكانت التقديرات تشير، حتى ساعة متأخرة من الليلة الماضية، إلى أن الفوز الأعرج سيكون متأرجحاً بين المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون، والعمال بزعامة غوردن براون، وأن حزب الليبراليين الديمقراطيين بزعامة نيك كليغ قد يصبح بيضة القبان لترجيح كفة من تميل في اتجاهه، فيصبح قادراً على تشكيل حكومة ائتلافية ستكون بمنزلة بطة عرجاء لن تستطيع أن تفعل شيئاً بالنسبة إلى قضايا المرحلة المقبلة الأساسية.

كان الشاب اللامع اليساري النزعة والأوروبي التوجه نيك كليغ هو نجم مرحلة المبارزات والمناظرات الاستعراضية، فأعطته استطلاعات الرأي المركز الأول بالنسبة إلى الاثنين الآخرين، لكن ما ان بدأ الناخبون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع حتى بدأت هذه الصورة الانقشاع، مما يؤكد أن البريطانيين ليسوا بصدد تغيير جذري، وأنهم مستمرون في التمسك بقديمهم الذي رافقهم ورافقوه طويلاً وهو حزب المحافظين وحزب العمال بالتناوب.

وهنا فإن ما يمكن أن يقال هو أن البريطانيين ملولون مثلهم مثل الكثير من شعوب الأرض، وأنهم يسارعون إلى تغيير قناعاتهم عندما تمتد فترة أحد الأحزاب المتناوبة على الحكم أكثر من اللزوم، ولذلك فإنهم بقدر ما استقبلوا مجيء مارغريت تاتشر في بدايات ثمانينيات القرن الماضي بالحماسة العارمة والآمال العريضة بقدر ما ودعوها لحساب خلفها جون ميجر بالشتائم وضيق الصدور والدعوات إلى الله أن تذهب إلى الجحيم.

الآن تتكرر الصورة نفسها، ولكن بارتباك واضح، حيث التأييد سيأتي حسب استطلاعات الرأي العام متقارباً بين المحافظين والعمال، وهذا يعني أن البرلمان الجديد الذي من المفترض أن يبدأ خطواته الأولى مع صبيحة هذا اليوم، وهي ستكون خطوات متعثرة، سيكون معلقاً أو "مشنوقاً"، وهذا يعني أن الذهاب إلى انتخابات مبكرة أمرٌ محتم، كما يعني أن الأمور الرئيسية المختلف بشأنها بالنسبة إلى هذه الأحزاب الثلاثة، الاقتصاد والموقف من أوروبا ومن الهجرة، ستبقى معلقة هي بدورها... وهذه هي ضريبة الديمقراطية الحقيقية التي لا نعرفها في بلادنا العربية والحمد لله.