المحصلة النهائية... صفر!
ما الذي يجعل العرب دائما في آخر الركب لا يتقدمون ولا يتطورون في أي مجال من المجالات كما يتقدم ويتطور غيرهم؟! هل الإنسان العربي أقل ذكاءً وموهبة ومقدرة من الآخرين؟! لماذا تنتقل همومه وتتكرر مشاكله من جيل إلى آخر دون إيجاد حلول مناسبة لها؟!عقارب الساعة تدور... يموت زعيم فيخلفه زعيم جديد بنفس المواصفات «الرائعة»، تذهب حكومة لتحل مكانها أخرى، ويرحل وزير ليأتي آخر، ويتقاعد مسؤول أو يموت- الاحتمال الأخير هو الأرجح- ليتولى غيره مهام عمله، فلا ترى شيئا يتغير أو يتبدل للأحسن، والحالة جمود ما بعده جمود، وفشل يتبعه آخر، مع تنوع الأسماء وتعدد الوجوه لكن المحصلة دائما واحدة، "صفر محترم وبشنب"!
أسباب هذا «الصفر» العربي بطبيعة الحال عديدة وكثيرة لا مجال لتناولها كلها في هذا المقال، لكنني سأتطرق لسبب أراه أس البلاء في هذه المسألة ألا وهو تركيبة «الرأس العربي الناشف» الذي يؤمن بأنه وحده الذي يفهم في كل شيء، وأن كل ما في رؤوس الآخرين هراء لا يستحق النظر إليه ولا الأخذ منه، ولذلك، قلما ترى وزيرا أو مسؤولا يستأنف عملا بدأ به سلفه ويحاول إتمامه على الشكل الأمثل، إنما الاتجاه السائد هو أن يبدأ مهامه بهدم ما بناه ذلك الوزير أو المسؤول الذي سبقه، وشعاره في ذلك: كل ما تم قبلي «كلام فاضي» ولابد أن يُزال فورا! يحدث ذلك تقريبا في كل زاوية من زوايا الوطن العربي، فالكل لا يريد أن يتعلم أو يستفيد من تجارب وخبرات الآخرين لأنه يشعر أنها بلا قيمة حقيقية، وأنه لا حاجة له بها، فهو قادر على الإنجاز والإبداع بما آتاه الله من موهبة فذة في القيادة والإدارة، والنتيجة هي أنه يستمر في تكرار أخطاء غيره لأنه لم يدرس ولم يتعلم من تجاربهم السابقة لعهده المبارك الميمون!لكن الأمر مختلف عند باقي الأمم والشعوب المتقدمة، فهم حريصون دائما على الاستفادة من الخبرات السابقة، ولذلك ترى الكل حريص على تدوين تجربته الميدانية بكل ما حوته من نجاحات وانتكاسات لينهل ويستفيد منها من يخلفه في المنصب، والنظرة العامة عند كل مسؤول جديد أن كل ما سبقني «ربح» يجب أن أزيد عليه، فالإدارة الناجحة لا تأتي بالمصادفة أو بظهور «الفلتة الخطير» الذي سيحل كل المشاكل والمعضلات في لحظات، بل هي خطوات تتلوها خطوات، وخطط تتبعها خطط، والتجارب السابقة واللاحقة أحجار يسند بعضها بعضا وتتحول بمرور الأيام إلى بنيان قوي يزداد قوة رغم اختلاف الإدارات وتبدل الحكومات!وجدير بالقول هنا أن الاستمرار على درب السابقين وإضافة الجديد ثقافة عامة عند الشعوب الحية، والأمر لا يقتصر على الإدارة الحكومية فقط، ففي مجالات السياسة والثقافة والرياضة والفن والأدب تضاف المجهودات إلى المجهودات، وينظر إلى أعمال السابقين وتجاربهم على أنها ثروة قومية ستتولد منها ثروات، ولذلك تراهم يدرسون ما سبق باهتمام بالغ، ويضعون الخبرات فوق الخبرات، والأفكار فوق الأفكار، ليحصلوا في نهاية الأمر على كنوز من التجارب السابقة التي تيسر لهم الإبداع والإنجاز والتفوق المستمر بسهولة ويسر لا يتوافر للإنسان العربي الغارق في أهوائه ومزاجياته اللامحدودة، والنائم في سبات عميق... تهدم آخر أحلام «رأسه الناشف» أولها!الفارق أيها السيدات والسادة بيننا وبين الشعوب والمجتمعات الحية، هو أنهم يجيدون عملية «الجمع»، فالتجربة تلو التجربة، محصلتها تجارب وخبرات لا أول لها ولا آخر، أما نحن، فلا نجيد سوى عملية «الطرح»، حين نرمي في سلة المهملات كل ما سبقنا من تجارب وخبرات، لتصبح المحصلة في نهاية الأمر «صفر».. لا يزيد ولا ينقص أبدا.