هل سيكون 2010 عام خروج فلسطين من الأنفاق؟

نشر في 13-01-2010
آخر تحديث 13-01-2010 | 00:01
 د. شاكر النابلسي منذ عام 1948 والقضية الفلسطينية تخرج من نفق مظلم لتدخل في آخر، وهكذا كانت اللعبة الفلسطينية بين أرجل وأيدي الفلسطينيين والعرب والمسلمين وإسرائيل ويهود العالم والعالم كله، فأكثر من مئة مبادرة سياسية لحل القضية الفلسطينية من الشرق والغرب، صدرت منذ 1948 إلى اليوم، ولكن ما كان لواحدة منها نصيب من النجاح والتطبيق على الأرض لحلِّ هذه القضية التي تعتبر الآن من أكثر قضايا الشعوب في التاريخ البشري عسراً وصعوبة لأن حيثياتها كانت صعبة وعسيرة.

مأساة إنسانية فريدة

 لم يشهد التاريخ البشري أرضاً انتُزعت من أيدي أصحابها ومنحت لشعب آخر- عدا ما حصل بين الهنود الحمر والبيض في أميركا وتلك قصة أخرى مختلفة- بعد طرده من أرضه ووطنه ورميه في مخيمات قذرة مدة أكثر من ستين عاماً حتى الآن، كما تم مع الشعب الفلسطيني. فالإسرائيليون لا يكفون عن العدوان والتنكيل بالشعب الفلسطيني بكل الوجوه، والفلسطينيون لا يكفون عن الانتقام والثأر بكل الوجوه، وهكذا تستمر الحلقة المفرغة، فالإسرائيليون يتوقفون عن عداوتهم واغتصابهم للفلسطينيين، فهم حتى هذه اللحظة يصادرون أراضيهم ويهدمون بيوتهم ويبنون فوقها مستعمراتهم. الفلسطينيون في غزة حتى هذه اللحظة يطلقون صواريخهم البدائية على الإسرائيليين، ومازال الدم يتدفق لكي يضع المزيد من الحواجز والموانع للسلام في فلسطين والشرق الأوسط ومن ثم في العالم.

عشرات الأعوام ومشاريع تسوية

في كل عام يستبشر المستبشرون ويتوقع المتوقعون أن ذلك العام سيكون عام العدالة والحل والسلام، ولكن العام يمضي ولا تأتي العدالة ولا يأتي السلام، عاماً بسبب العرب والفلسطينيين، وعاماً بسبب التعنت والطمع والشراسة الإسرائيلية وعاماً ثالثاً بسبب انشغال القوى الكبرى في العالم بعقد المشاكل الداخلية وحلها... إلخ.

 ويظل أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في المخيمات اللبنانية والسورية والأردنية في أوضاع إنسانية لا حد لها من الفقر والجوع والقذارة والتشرد. وأصبحت هذه الصورة مهما كُتب فيها من شعر ونثر أكبر مأساة إنسانية عرفها التاريخ البشري، ولو كان هوميروس حياً بيننا الآن لكتب فيها أكبر وأعظم ملاحمه، ولو كان رآها الشاعر الألماني غوته لاعتبرها هي الجحيم الذي ما بعده جحيم.

2010 وزحزحة الصخرة

مناسبة كتابة هذا المقال اليوم، ما يتردد الآن، من أن الإدارة الأميركية ستشدُّ "الحيل" هذا العام، وتحاول زحزحة الصخرة الفلسطينية-الإسرائيلية من مكانها الآن، لكي تسمح لمياه نهر السلام بالتدفق، فلا هذه الصخرة امتصت ماء السلام ولا سمحت للماء بالتدفق على جانبي النهر الفلسطيني والإسرائيلي.

فهل سيكون 2010 عام الزحزحة للصخرة الضخمة التي تعترض مجرى نهر السلام في الشرق الأوسط؟

أشكُ في ذلك ولي أسبابي وأهمها:

1- أن الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي لم يكن في يوم من الأيام وعلى مدار أكثر من ستين عاماً، صراعاً خالصاً بين إسرائيل والفلسطينيين، إنما كان صراعاً بين دول إقليمية وأنظمة سياسية إقليمية تلبس قفازات فلسطينية وإسرائيلية، وتضع على وجهها أقنعة فلسطينية–إسرائيلية، وتحمل دروعاً وسيوفاً من هذا القبيل كذلك. وكان على الفلسطينيين أولا أن يحلوا الصراعات الإقليمية– وهم العاجزون– أولاً لكي ينتهوا إلى حل صراعهم مع إسرائيل. وكما نرى اليوم فـ"الفتحاويون" يسيرون تحت رايات عربية معينة و"الحمساويون" يسيرون تحت رايات مختلفة، وداحس والغبراء على أشدها، ونار مشتعلة وقودها الشعب الفلسطيني في الشتات والبحث عن الفتات.

2- أن الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، صراع صنعته القوى الكبرى في العالم (بريطانيا وفرنسا) بعد الحرب العالمية الأولى، وراحت تلعب به طوال هذه السنوات حتى الآن، وتدير هذا الصراع لمصالحها الخاصة. وقد شهدنا في الحرب العالمية الثانية كيف كان لفلسطين دور ولو صغير في هذه الحرب بوقوف الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر إلى جانب هتلر والنازية ودول المحور، وإقامته في برلين إلى جانب هتلر وحنق وغضب دول الحلفاء (بريطانيا، أميركا، الاتحاد السوفييتي) على الفلسطينيين وزعيمهم الحسيني، مما سمح للانتداب البريطاني على فلسطين (1920-1948) عام 1947 وما بعدها بغض النظر عن الهجرة اليهودية المكثفة إلى فلسطين، وإقامة الميليشيات الصهيونية المسلحة التي فتكت بالفلسطينيين، وتكرر هذا الخطأ السياسي القاتل عندما وقف ياسر عرفات إلى جانب صدام حسين في عدوانه الغاشم على الكويت وشرق السعودية، وأغضب بذلك أغلبية العرب والمسلمين والغرب عامة، الذي أصبح وحده يملك مفاتيح الدخول إلى الدولة الفلسطينية، وخسر الفلسطينيون بتلك المواقف السياسية الخاطئة الكثير من التعاطف والدعم السياسي والمالي من العرب والمسلمين والغرب.

 

المُسكِّنات الأميركية من جديد

قلنا إن هذا المقال يأتي على إثر أخبار من واشنطن تقول إن الإدارة الأميركية ستشد العزم هذا العام 2010 لكي تزحزح الصخرة الفلسطينية-الإسرائيلية، التي أصبحت بفضل الصراع الإقليمي–الدولي (سورية- إيران- أميركا– بريطانيا) الصخرة الحمساوية–الإسرائيلية. لذا، فمن المحتمل أن يصل خلال الأيام القادمة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشل وتتبعه وزيرة الخارجية الأميركية حاملة خطابي ضمان من الإدارة الأميركية لإسرائيل والفلسطينيين (الفتحاويين خاصة). وقد أشيع أن في هذين الخطابين "طمأنة" على الحقوق الفلسطينية والإسرائيلية، وضمانا لقيام الدولة الفلسطينية وحماية استقلال الدولة الإسرائيلية... إلخ.

ولكن زحزحة الصخرة الفلسطينية–الإسرائيلية لا يتم في القاهرة ولا في الرياض ولا في أي عاصمة عربية أو شرق أوسطية ما عدا دمشق وطهران اللتين تحتضنان قيادات الميليشيات الفلسطينية الفاعلة والمؤثرة وتمدانهما بالحليب والسمن والعسل والدفء أيضاً.

هناك، يمكن لأميركا وأصحاب النوايا الحسنة أن ينجحوا– ربما– في زحزحة الصخرة الفلسطينية–الإسرائيلية من مكانها الحالي، وإلا فإن أصحاب النوايا الحسنة سوف ينفخون في قربة مقطوعة ويضيعون الوقت كما سبق أن ضيعوها خلال أكثر من ستين عاماً مضت.

حلم صيف وسراب خادع

ومن هنا يتبين لنا، أن زحزحة الصخرة الفلسطينية–الإسرائيلية وإخراج فلسطين من الأنفاق المظلمة التي هي فيها الآن حلم صيف، وسراب خادع. وإذا كان أصحاب النوايا الحسنة من القوى الكبرى والصغرى يريدون فعلاً دفع الثمن الغالي جداً لهذه الزحزحة فعليهم الذهاب إلى دمشق وطهران، فهناك الجذور والمنابع والمفاتيح وصناعة القرار الفلسطيني. ودون ذلك، فكل ما ستقوم به أميركا وغيرها من القوى الكبرى والصغرى في الغرب والشرق، ذرٌّ للرماد في العيون، ولعبٌ سياسيٌّ في الوقت الضائع.

* كاتب أردني

back to top