فكرة الكتاب 


نشر في 23-06-2010
آخر تحديث 23-06-2010 | 00:01
 زاهر الغافري الكتاب مميت هذا مؤكد، صفته هذه تجعل منه أيضاً لهذا السبب بالذات نزهة روحية في غابات المعرفة.

كل كتاب يستحق القراءة، هو في نهاية المطاف، إغراء وحشي متبادل بين الكتاب والقارئ.

وقد يصل هذا الإغراء الى تخوم التواطؤ الخلاق، لهذا ربما نهتم بالمكتبة وأعني هنا المكتبة الخاصة أو المكتبة المنزلية، تلك الرفوف الخشبية المُعتَّقة ذات الرائحة واللمعة القديمة هي ما أُفضِّل. الكتب أيضاً نعمة إلهية لذلك ذكر ذلك في الكتب المقدسة. للكتّاب والفنانين حكايات بالغة التنوع مع الكتب ومواصفات ذوقية مختلفة للمكتبة الشخصية، هناك كتب ترحل مع أصحابها «مُقتنيها» أينما حلّوا حلّت معهم، وهناك كتب يتم التخلي عنها قسراً أحياناً.

هناك كتب تُستعار فتذهب إلى أيدي الأصدقاء، ومن ثم الى مكتباتهم الخاصة.

هناك كتب مُستعارة تعود إلى أصحابها حتى بعد مرور سنوات طويلة، وأخرى لا تعود بالطبع.

هناك كتب نادرة وثمينة بنسخ مُرقَّمة أحياناً، وكتب أخرى بحروف مطبعية لم تعُد قائمة في وقتنا الحاضر.

هناك كتب مُهداة من قِبَل مؤلِّفيها وأخرى من قِبَل الأصدقاء.

كتب ترتبط بمناسبات خاصة وأخرى بلا مناسبات، كتب بسبب عمقها تُقرأ مراراً وإعادة القراءة هذه امتحان للحقيقة كما يشير خوان غويتسولو، وأخرى تُقرأ بنظرة واحدة ومن العنوان أحياناً.

كل كتاب من هذه ضيف في مكتبة ما، على تلك الرفوف، في ذلك البيت، لكن ماذا يفعل المثقف والكاتب حينما يُضطر إلى الرحيل طواعيةً أو قسراً من مكان إلى آخر ومن بلد إلى آخر، من منفى إلى منفى وعبر مساحات شاسعة أحياناً.

كتب الشاعر سعدي يوسف في عام 1987 على ما أذكر، نصاً نثرياً قصيراً حول المكتبة الخاصة. سعدي المترحل الدائم وصاحب الإقامات المؤقتة في أكثر من مدينة وبلد، أقول استحضر عملية صنع مكتبة في المنزل، بدءاً من الخشب والمطرقة وانتهاءً بالمسامير، كأنما على الشاعر أن يتحول إلى نجار أيضاً.

أصرَّ بورخس على الدوام، في كتابات كثيرة له، على فكرة الكتاب والمكتبة، وعمل أيضاً في هذا المجال كأمين عام لمكتبة بوينس آيرس، واعتبر الكتاب فكرة تنفتح على اللانهائي وهي فكرة تحمل حيزاً واسعاً في كتاباته، هناك كتب حقيقية وكتب من اختراعه. كتب تحمل معرفة قاتلة وأخرى تُقرأ كما الأحلام. مكتبات بضوء كتيم، ذات طابع سريّ حتى أصيب بالعمى.

يشير بورخس الى «الكون الذي يسميه آخرون المكتبة». ثم أليس هو القائل في عمله «مكتبة بابل»، إن المكتبة موجودة أبداً وليس بوسع عقل منصف أن يرتاب في هذه الحقيقة.

back to top