منذ عقد فقط، كان قتلة محمود المبحوح سيصبحون في طيّ النسيان، لكن الأمر ازداد صعوبةً اليوم، فلا يعود ذلك إلى انتشار عدسات الكاميرات في كل مكان كما يظن معظم الناس، إذ تلتقط الكاميرات العصرية أكثر من مجرد صور مشوّشة، فهي تسجّل أدقّ تفاصيل البنية العظمية في أوجه الناس، وتُنقَل هذه المعلومات بعد تحليلها رقمياً وتفسيرها من خلال نظام العد إلى حواسيب الشرطة في جميع أنحاء العالم.
لم تعد الأساليب القديمة التي ترتكز على الأجهزة السرية معتمدة اليوم، فقد أصبحت جوازات السفر البيومترية الآن المعيار المُعتمد في معظم البلدان الأوروبية، وتحمل رقاقاتها معطيات يمكن التحقق منها بسهولة مثل فحص شبكية العين، وهي أمور خاصّة بكل فرد ولا يمكن تزويرها، وتثير فكرة اكتشاف تزييف الهويات بسهولة الرعب في نفوس الجواسيس، فهم يتذكرون مصير العملاء الغربيين، في الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، حين كانت وثائق الهويات المزورة يشوبها خطأ قاتل: كانوا يستعملون "دبابيس" مصنوعة من فولاذ مقاوِم للصدأ، بدل "الدبابيس" الحديدية العادية المصقولة التي نجدها في الوثائق السوفييتية الأصلية، وكان غياب الصدأ يتيح لشرطة ستالين السرية كشف التزوير.يولّد عصر الـ"فيس بوك" هذا مشكلة أخرى، ففي السابق، كان اختراع هوية مزيفة يقتصر على تزوير بضع وثائق وإيجاد قصة حياة قابلة للتصديق، أما اليوم، فقد أصبح زرع دليل مقنع لشخصية مزيفة على شبكة الإنترنت أمراً صعباً جداً، وبالتالي فإن وجود أي تفصيل مزيّف بات أسوأ من غيابه كلياً.حتى التسميم، الذي كان لفترة طويلة أفضل طريقة لإخفاء جرائم القتل، أصبح أصعب بكثير، فقد طوّر الاتحاد السوفييتي خبرة مذهلة في فن الاغتيال وفي صنع السموم (وقد نتجت هذه النشاطات من الجهود التي بذلها في حربه الجرثومية وعمليات التسميم بالغاز). يقدّم كتاب نُشر في بريطانيا، العام الماضي، بقلم بوريس فولودارسكي، ضابط عسكري استخباراتي روسي سابق، لمحة عن "مصنع السموم التابع لجهاز الاستخبارات الروسية كي جي بي" منذ عام 1917 وحتى يومنا هذا. تشمل "نجاحاته" مقتل منشقّ سوفييتي في فرانكفورت عام 1957، والمعارض البلغاري جورج ماركوف عام 1978، في لندن، بعد تسميمه بمادة الريسين.تحسّنت عملية تحليل السموم، لكن أحياناً وحده الحظ يكشف عن المواد السامة المحقونة بحذر. عام 2006، قُتل ألكسندر ليتفينكو، ضابط أمن روسي منشقّ كان يعيش في لندن، مسموماً بمادة البولونيوم، عنصر إشعاعي نادر. كاد القتلة ينجون بفعلتهم، وقد قال مسؤولون بريطانيون إنّ القتلة تلقوا مساعدة من الأجهزة الأمنية الروسية، ولو أن ضحيّتهم ماتت على الفور، لما أجرى أحدٌ اختباراً غريباً من هذا النوع للكشف عن حصول تسمم إشعاعي في الضحية.من المؤشرات الأخرى على احتمال فشل إرسال قتلة مأجورين إلى أراضٍ بعيدة، يمكن النظر إلى قصة زليمخان يانداربييف، رئيس شيشاني سابق قُتل عام 2004 في تفجير سيارة في قطر. اعتقلت السلطات القطرية، بعد عملية مراقبة وثيقة، ثلاثة مسؤولين روسيين، كان أحدهم يتمتع بحصانة دبلوماسية، لكن الشخصين الآخرين حُكم عليهما بالسجن. بعد خلاف كبير بين روسيا وقطر، وبعد تضرر الروابط بين روسيا والإسلام، عاد الاثنان إلى موسكو واستُقبلا استقبال الأبطال.
مقالات
القتلة المأجورون بين الماضي والحاضر
02-03-2010