نجحت الحكومة وبشكل تاريخي وغير مسبوق في السيطرة شبه الشاملة على مفاتيح اللعبة السياسية، وتحكمت بالمجلس كما يحلو لها وفرضت أجندتها المطلقة على النواب ونزعت منهم حتى القرارات الشعبية واخترقت أهم عوامل القوة في الكتل البرلمانية.

Ad

بكل المقاييس لم يكن دور الانعقاد الثاني من هذا الفصل التشريعي عادياً وحمل مزيجاً معقداً من التناقضات السياسية والمواقف المتعارضة التي يصعب إخضاعها للتحليل الموضوعي ومن ثم للاستنتاج العلمي، ويبدو أن سمعة مجلس الأمة والانطباع العام الذي ترسخ في أذهان الناس لا يشفع لبعض الإنجازات التي حققها البرلمان رغم أهميّتها.

فمنذ الانتخابات الأخيرة نجح المجلس في فرض خطة التنمية التي طال انتظارها لأكثر من ثلاثين سنة إضافة إلى الخطة السنوية وجملة من القوانين المهمة مثل قانون العمل في القطاع الأهلي وقانون المعاقين، وهذه من بين المواضيع التي أنجزت باتفاق شبه كامل مع الحكومة.

ومن جهة ثانية نجحت الحكومة وبشكل تاريخي وغير مسبوق في السيطرة شبه الشاملة على مفاتيح اللعبة السياسية، وتحكمت بالمجلس كما يحلو لها وفرضت أجندتها المطلقة على النواب ونزعت منهم حتى القرارات الشعبية واخترقت أهم عوامل القوة في الكتل البرلمانية، وهذا واضح من خلال تمرير قانون الخصخصة، وقانون المتعثرين، ووقف المد المتحمس لحقوق المرأة، ووأد قضية البدون، والاستمرار في تمرير أكبر الميزانيات في تاريخ الكويت، ومنها مئات الملايين دون وضعها تحت نظر الرقابة المحاسبية.

وبالإضافة إلى التفوق التشريعي تفننت السلطة التنفيذية في إفشال حزمة الاستجوابات المقدمة إلى رئيس الوزراء وعدد كبير من الوزراء سواء بتحويلها إلى جلسات سرية أو كسب الرهان في طرح الثقة عليها.

وبالمقابل فإن ضعف المجلس تمثل أولاً في انعدام التنسيق بين النواب وكتلهم، وضياع قائمة الأولويات فيما بينهم، وإحباط البعض في عدم القدرة على تمرير قناعاتهم وبرامجهم الانتخابية كان سبباً مهماً ليس فقط في عدم تحسين صورته رغم الإنجازات الجزئية المهمة، بل مدعاة لخلق أزمات داخلية فيما بينهم كسباً لقواعدهم وحفاظاً على النجومية الإعلامية البديلة.

فالقوانين المنجزة، مهما كانت كبيرة ومهمة في تحويل مسار البلد المستقبلي اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، أصبح تفاعلها الإعلامي والاجتماعي محدوداً جداً، ولكن المعارك الكلامية والتراشق اللفظي وعبارات الطعن والتجريح ومخاطبة الجمهور عبر النواب هي التي أصبحت تحتل صدارة الصحافة والعناوين الكبيرة لها، وتتحف بها مواقع الإنترنت والمادة الرئيسة في المجالس والدواوين.

والسؤال المهم هو: هل يبقى الوضع السياسي على هذه الشاكلة خلال الفترة المتبقية من عمر المجلس، خصوصا في دور الانعقاد القادم؟ فالمهلة الزمنية التي كان العديد من النواب يبررون مرونتهم تجاه الحكومة وبحجة إعطائها الفرصة للعمل والإنجاز قد انتهت، فلا محاسبة سياسية من جانب، ومن جانب آخر أنهت الحكومة أجندتها من مشاريع القوانين التي كانت تطلبها من أجل تمكينها من العمل.

وملفات الفساد الإداري والمالي المنتفخة على الأبواب، والاقتراحات بقوانين الخاصة بمحاربة ذلك على الأبواب، ومن أهمها هيئة مكافحة الفساد وتنظيم العمل في الوظائف القيادية، وقانون الذمة المالية، ونتائج لجان التحقيق في أكثر من عشرين موضوعا معروضة على اللجان المختصة وديوان المحاسبة، ولا يمكن التعامل مع هذه الملفات الحساسة إلا بوضع حد للهوشات البرلمانية التلقائية فيها والمفتعلة، فهل يفهم النواب الدرس بعد سنة الاختبار الأولى؟!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة