من جديد يجرب الغربيون السذّج ومعهم بعض حلفائهم من «عرب وأعاجم» لعبة الضرب على وتر القومية مرة، وعلى وتر المذهبية والطائفية مرة أخرى، في محاولة يائسة لمحاصرة ظاهرة القرار الإيراني المستقل والمقاوم، وعزله قدر الإمكان عن المشهد الإقليمي العام، ولي ذراعه إن أمكن، من أجل منعه من التلاحم مع قوى المقاومة والممانعة الصاعدة والمتنامية القوة في المنطقة!

Ad

ولما كان الموقف الإيراني الثابت هو الدعم اللامحدود لفصائل المقاومة العربية والإسلامية أياً تكن المعادلات الإقليمية والدولية المحيطة، فإن العنوان الثابت الذي يدخلون منه إلى هذه المنازلة دوما هو اتهامها بأنها هي من يضع العصي في دواليب التسوية السلمية، كلما لاحت في الأفق احتمالات تحققها.

ولما كانت طهران عصية على التطويع، وتتصرف على الدوام كالطير الذي «يغرد خارج السرب»، وهي بالتالي تشكل العامل الأساسي الذي يهدد منظومة استقرار المنطقة وأمنها الإقليمي لاسيما العربي منه، فإن الأمر الوحيد المتبقي هو تحذير «المغرر» بهم من العرب ممن تحالفوا معها من خطورة المضي في هذا الطريق، ومحاولة إقناعهم بالعودة إلى جادة الصواب.

«لقد أكدت حماس لنا أنها حركة عروبية، وأنها لن تقبل بأن يمس أمن أي من الدول العربية، وأنها لن تشارك إيران في دعمها للحوثيين.... خاصة بعد أن تم تخييرها بين العرب والآخرين»... الكلام الآنف الذكر هو لبعض صحافة دول الاعتدال العربي منقولا عن مسؤولين عرب التقوا السيد خالد مشعل أخيرا وآثروا أن يخرجوا بهذه الحصيلة من محادثاتهم معه، باعتبارها فتحا عظيما على طريق دعم الخيار الفلسطيني العروبي المهدد من تدخل إيران السافر في شأن عربي داخلي محض.

وكما قال روبرت فيسك أخيرا إن المسؤولين الغربيين لا يفهمون أوضاع الشرق الأوسط، في تعليق له على اختيارهم ضابطاً أردنياً لاختراق أو محاربة «القاعدة» و»طالبان»، فإننا نستطيع أن نضيف إلى معلوماته ومعلومات القراء والمتابعين للشأن العربي والإسلامي، أن المسؤولين والحكام في بلادنا هم الآخرون ليس فقط لا يفهمون أوضاع بلادهم، بل إنهم لا يفقهون حتى في شؤون دنياهم واستمرار بقائهم في الحكم وتحصين أمن عروشهم.

وإثبات الأمر في غاية البساطة، ذلك أنه منذ متى كانت الأولوية، لأي حاكم عربي عاقل وحكيم يخوض معركة تفاوض عسيرة ومُرة مع عدو همجي شرس، مثل الكيان الصهيوني، هي أن يحيّد قوة عظمى جارة مثل إيران المسلمة، فضلاً عن أن يخرجها من المعادلة، وهو لم يحصل بعد على شيء ملموس، بل إنه مطالب بأن يسلم سلفا أقوى أوراقه، ألا وهي حق العودة والتطبيع، فضلا عن نزع سلاح المقاومة؟!

ألا يشبه هذا الفعل محاولات التطبيع المجاني الخائبة والمليئة بالمرارة؟! ثم، ومنذ متى كانت عروبة سورية أو «حماس» مهددة من إيران حتى يكون القطع مع هذه الدولة الجارة المسلمة شرطا من شروط شهادة العروبة؟!

وأخيرا نقولها ونحن واثقون من أنهم لن يحصدوا سوى الخيبة والفشل هذه المرة، ذلك أن «حماس» قوة فلسطينية عربية إسلامية عاقلة وحكيمة، تعرف تماما أين تكمن مصالح شعبها، وهي لن تفرط بمكامن القوة وأوراقها التي تملكها مقابل سراب السلام الزائف، ناهيك عن أنها فصيل عقائدي ملتزم يعرف كيف يميز الخبيث من الطيب على امتداد خط النضال، مهما اشتدت شرنقة الحصارات وتلونت وتعددت أساليبها، كما أن عروبة «حماس» لن تضير إيران شيئاً، بل إن مثل هذه العروبة ستعزز لدى الإيرانيين حماسهم في دعم «حماس» وكل المقاومين الفلسطينيين.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني