الموسى لـ الجريدة•: «معايير المركزي» يجب أن تكون محل تشاور مع شركات الاستثمار قبل وضعها في صيغتها النهائية
● وضع الشركات على «مسطرة معايير واحدة» غير إيجابي و«باب الاستثناءات» في طريقه إلى الفتح
● الإدارة في الكويت لا تستطيع تنفيذ كل ما جاء في «خطة التنمية» من مشاريع طموحة
● الإدارة في الكويت لا تستطيع تنفيذ كل ما جاء في «خطة التنمية» من مشاريع طموحة
علّق رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب لمجموعة الأوراق المالية وزير التخطيط الأسبق علي الموسى، على المعايير الرقابية الجديدة التي أعلنها بنك الكويت المركزي في مطلع الشهر الجاري، والمتعلقة بمعايير الرفع المالي والسيولة السريعة والاقتراض الخارجي لشركات الاستثمار المحلية الخاضعة لرقابته، قائلاً إن "المركزي" سلطة نقدية ورقابية ولابد من احترام ما يصدر عنه من تعليمات والالتزام بها، مؤكداً ضرورة أن تكون مثل هذه التعليمات موضع تشاور مع قطاع شركات الاستثمار في ما يعنيها قبل وضعها في صيغتها النهائية.وقال الموسى في حوار خاص لـ"الجريدة"، إن العديد من الشركات الاستثمارية الكويتية نشيطة في الخارج وتعرف أن هذا تقليد يُمارَس في كثير من الدول، تجنباً لبعض الآثار السلبية التي ربما تفوت حسابات السلطة الرقابية.
وأضاف أن -كما أُعلن رسمياً- أغلبية شركات الاستثمار (85 في المئة منها)، متوافقة مع معيار الرفع المالي، وذلك بعدم تجاوز الالتزامات ضعفَي إجمالي حقوق المساهمين (1:2)، كما تتوافق 89 في المئة من الشركات مع معيار الحد الأعلى للاقتراض من الخارج، بحيث لا تتجاوز 50 في المئة من حقوق المساهمين، إضافة إلى مسألة معيار توفير السيولة السريعة 10 في المئة، والذي لابد أن يبقى على شكل نقد ومعادل نقد محدد من حجم الالتزامات, إذ بلغت نسبة التوافق مع هذا المعيار 49 في المئة من الشركات.وأشار الموسى في حواره إلى أن شركات الاستثمار في الكويت ليست متشابهة، فهي تختلف من حيث أغراضها المرخصة وما هو مسموح لها وممنوع عليها، وبالتالي فمحاولة وضعها على "مسطرة معايير واحدة " في هذا المقام، قد لا تكون إيجابية للجميع.وأضاف: "أرى أن هناك احتمالات بتأثير سلبي ملحوظ على النشاط الاستثماري للشركات الاستثمارية في الخارج على وجه الخصوص وربما تقلص، وعلى أي حال بدأت بعض الشركات التذمر، كما يبدو ان باب الاستثناءات في طريقه إلى الفتح".وزاد: "لدينا شركة واحدة تستحق لقب بنك استثماري وهي الشركة الكويتية للاستثمار المسموح لها بقبول ودائع، وقد طبقت عليها ذات المعايير كبقية الشركات، رغم أن تصنيفها فنيا يختلف، كما لم تتم مراعاة الاختلاف الكبير في أوضاع الشركات التي تعتمد نشاط الإقراض والتمويل في عملياتها عن تلك التي تعتمد الاستثمار وإدارة الأصول، فالأولى تحتاج الى نسبة اكبر للرفع المالي لتنمو وتتطور، بينما الثانية يمكنها تحمل نسبة ضيقة".وأكد أنه يكفي أن نحو نصف الشركات تقريباً غير متوافق مع معيار السيولة السريعة، كي يستحق الموضع المزيد من البحث والتشاور، ولا يعني عدم التوافق هذا تقصيرا وقصورا مهنيا بالضرورة في الوقت الحاضر... وإليكم تفاصيل الحوار:● في ما يخص شركات الاستثمار، كيف تصف الوضع الحالي للقطاع؟- تراجعت أصول شركات الاستثمار من 17.55 مليار دينار في مايو 2008 (سنة ذروة النشاط)، إلى 14.05 ملياراً لنفس الشهر في 2010 بمقدار 20 في المئة، وتراجعت الحسابات النظامية خارج الميزانية (حسابات العملاء)، من 28.3 مليار دينار الى 21.3 ملياراً، أي بنسبة 25 في المئة، وهذا من توابع الأزمة المالية التي شملت سوق الكويت وتعتبر أهم انعكاسات تدهور قيم الأصول.وفي نفس الفترة كانت نسبة الاصول الأجنبية من إجمالي اصول شركات الاستثمار 38 في المئة في 2008، وارتفعت لتصل إلى 46 في المئة في 2010، كما زاد عدد الشركات من 87 الى 100 شركة، ممّا يدل على استمرار الاتجاه العام للتوجه الى الخارج بسبب ندرة الفرص المحلية وعدم مواءمة البيئة الاستثمارية بشكل عام، ووجود مدخرات تبحث عن فرص ومنافذ.وقد مر قطاع الاستثمار بتجربة أسوأ ممّا مرت فيه كثير من الشركات في دول أخرى، ولقد ارتكبت بعض شركات الاستثمار العديد من الأخطاء, يدفع الجميع ثمنها الآن، أهمها أن كثيراً من المستثمرين فقدوا الثقة بالسوق والشركات نفسها.وبصفة عامة أخشى أن كثيراً من الشركات فقدت الأمل في النجاة ورؤية أيام أفضل من التي تراها الآن، والوضع لا يسر، على الرغم من أننا في وقت كان من المفترض أن يكون من افضل الأوقات، لوجود مشروع طموح وبرنامج استثماري ضخم حسب ما جاء في الخطة التنموية، أضف إلى ذلك، وجود توجه حكومي نأمل أن يكون جاداً في دفع القطاع الخاص للعب دوره في عملية التنمية بدلاً من حال التهميش الموجودة حالياً، وبشكل عام يحاول قطاع شركات الاستثمار أن يقف على قدميه مرة أخرى بامكاناته، لكن أخشى أن هذه العملية ستطول.● إلى متى تستمر بعض الشركات "الغارقة" في المكابرة على نفسها رغم أن أوضاعها المالية ميؤوس من معالجتها؟- في نهاية الأمر كل شيء له حد، والحد الأدنى لرأسمال شركة الاستثمار في الوقت الحالي هو 15 مليون دينار، وفي حال انخفاضه الى اقل من ذلك فعلى الشركة ان تستكمله الى الحد الادنى المطلوب اوتفقد الصفة والترخيص، وبالتالي يجب وضع مجموعة من المعايير والمتطلبات لتستحق شركات الاستثمار هذا اللقب، ونعطيها مجالاً أكبر للعمل سواء بتميزها بالقدرة على الاقتراض اكثر مما هو مسموح به للشخص العادي، وبالتعامل مع السوق المالي باعتبارها عضوا فيه ويعمل تحت رقابة البنك المركزي وسلطته.وبصفة عامة الوضع الحالي غير طبيعي, ويبقى الأمل في هيئة سوق المال لجهة وضع معايير فاعلة، ليست للادراج في السوق فقط, لكن للاستمرار فيه ايضا، كما هو معمول به في الاسواق الجيدة التنظيم.● متى سنرى إفلاساً لشركات استثمارية، خصوصاً أن العديد من الآراء الاقتصادية تقول إن هناك بعضاً منها يجب أن يبتعد عن السوق؟- نتمنى عدم رؤية إفلاسات، فكلما صار هناك انسحاب منظم، فذلك أفضل للاقتصاد المحلي بشكل عام، ومع شديد الأسف فإن نظام الإفلاس في الكويت معقد وطويل وشائك بعكس دول أخرى، ففي أميركا مثلاً، رأينا إفلاس شركة "جنرال موتورز" وإعادة تنظيمها كشركة جديدة خلال اشهر قليلة، من دون أن نحس بالفرق على الوضع العام، وهذا ما لا نستطيع عمله في الكويت لأن الأنظمة لا تساعد على ذلك، والإفلاس لدينا يخلق شرباكة تستمر سنوات. ● الإجراءات الجديدة التي طبّقتها إدارة سوق الكويت للأوراق المالية، هل كان لها تأثير جوهري على تداولات السوق؟ وهل أثرت في تداولات الشركات الاستثمارية؟ - لا أرى أن لها تأثيراً سلبياً، بل هي إجراءات كانت لابد أن تتم سابقاً لكن شاءت الظروف أن تتأخر، وأتصور أنها إجراءات في موقعها وسنرى تشدداً أكثر عندما يبدأ العمل في هيئة سوق المال.وبصفة عامة، اذا أصبح لدينا وضع اقتصادي صحيح, فمثل هذه الإجراءات لن تعوق تطور السوق وازدهاره بل على العكس، لأن الممارسات الخاطئة على المدى الطويل أكثر ضررا من شكل التداول السريع والكبير المصطنع، والسوق يجب أن يؤسس أوضاعه على أسس راسخة، ويساهم في زرع الثقة ليس للمستثمرين المحليين فقط بل للمستثمرين الأجانب في صحة التعامل وعدم افتعال أسعار وأحجام ليست حقيقية للتداولات، مع ضمان الحد الادنى من الشفافية المقررة.● ما رأيك في تدخل الدولة لشراء أصول الشركات؟- إذا كان الهدف استثماريا حقيقيا فلماذا لا تشتريها الدولة كأي اصل آخر في أي سوق؟ لكن ما نخافه دائماً هو المبالغة في شراء الأصول ومحاولات التنفيع والمحسوبية وبالتالي ضياع المال العام، وهذا بالتأكيد ما لن يتقبله الوسط الاستثماري ولا المجتمع كله، وشراء ما يسمى بالأصول المسمومة دون وجود سياسة مدروسة للتعامل معها وضمن برنامج متكامل للانقاذ لن يؤدي إلى نتيجة إيجابية. ● كيف ترى تشدد البنوك في منح التمويلات الجديدة لشركات الاستثمار؟- غير صحيح ما يُشاع عن أن المصارف لا تقدم تمويلا لعملائها او تتشدد أكثر مما تقتضيه المعايير الدولية والمتطلبات المهنية، بل على العكس نجدها تحاول بشتى الطرق جذب العملاء الجيدين، فلديها فائض سيولة يقدر بنحو 4.7 مليارات دينار، وترغب في تنمية محفظة قروضها لكن بنوعية جيدة، وهي تقدم تمويلها لمن يستطع اعادة سدادها، فهل من المطلوب أن تموِّل المصارف عملاء غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم؟ انه نفس المنطق العجيب بوجوب اقراض المعسرين افرادا كانوا أو شركات!● إذاً، ما السبب الرئيسي في تشديد التمويلات حالياً؟- كما اسلفت ليس هناك تشدد بل هناك التزام بالمعايير الدولية والرقابية المقررة، غير ان هناك مسؤولية على الحكومة في تأخير دورة التمويل، فمثلا تصرفها مع شركات المقاولات والمصارف، أصبح التركيز فيه منصب على تسييل خطابات الضمان فور الاختلاف وإلغاء عقود حكومية بشكل تعسفي، وهو ما اضطر المصارف إلى أن تكون أكثر حذراً مما مضى عند التعامل مع المشاريع الحكومية التي ارتفعت درجة مخاطرها، ولم تعد "حوالة الحق" على تدفقات المشاريع الحكومية تتمتع بجاذبيتها السابقة، وأصبحت المصارف تطالب حالياً بتصدير خطاب الضمان للمقاول من اصوله الخاصة وضماناته على عكس ما كان يحدث في السابق عندما كانت تكتفي بنسبة الـ1 في المئة من قيمة خطاب الضمان المصدر الى الحكومة للعميل المعروف جيدا لديها.فالحكومة لا تريد أن تتحمل مخاطر المشروع وهذا موقف صحيح, لأنه لا يجب تحميل المال العام أي مخاطر لإقراض الشركات، لكن يفترض أن تتفهم الحكومة وضع من يمول المشروع وأنه في حالة تعثر المقاول في السداد فإنها تستطيع مثلا ان تشتري دينه من البنك، على ان يلتزم البنك إعادة شرائه خلال فترة زمنية مع خدمة الدين، كما يجب ان تتأكد من سلامة المركز المالي والإمكانات المالية للمتقدمين للمناقصات العامة بدلا من التركيز على خطابات الضمان فقط والاكتفاء بتحميل المصارف كل المخاطر دون عون أو مساعدة. ● إذا تحدثنا عن سوق المال بصفة عامة، ما الأسباب الرئيسية لتدهور البورصة في الفترة الأخيرة؟- تعزى حال استمرار تدهور مؤشرات السوق الى اسباب عدة, لعل اهمها انعدام الثقة وحالة عدم الاستقرار، كما انه لا يوجد أي أمر إيجابي سواء عبر وسائل الإعلام أو في أحاديث الدواوين أو ما يصرح به السياسيون او يقومون به يشجع على الاستثمار في السوق، وهذا يلقي بظلاله على تصرفات المتداولين في البورصة.الأزمة المالية أثرت على أغلبية دول العالم وأسواقها، وأفلس من الشركات من أفلس، لكن منذ منتصف العام الماضي 2009 بدأت الأمور تعود "تدريجياً" إلى أوضاعها الطبيعية ورأينا بنوكاً وشركات استثمارية عالمية تحقق ارباحا قياسية مرة أخرى، وبدأت اسواق العقار تتماسك مرة أخرى وبدأ الاتجاه العام يأخذ موقفاً إيجابياً، لكن نأتي إلى الكويت ونرى أن الأزمة مازالت موجودة ومستمرة ولم تتم معالجتها أساساً، فأغلبية المستثمرين يضعون أيديهم على قلوبهم ولا يعلمون متى تأتي "الطيحة"، وهذا أحد مسببات تدهور البورصة الحاصل أخيراً.● هل هناك شك في قدرة الحكومة على تنفيذ خطة التنمية التي أقرها مجلس الأمة في وقت سابق؟ وكيف ستكون نتائج تأخير تنفيذها؟- كلنا نعلم إمكانات الادارة في الكويت وقدراتها، فهي لا تستطيع أن تنفذ كل ما جاء في الخطة من مشاريع طموحة، لكن ليس ذلك هو المطلوب بقدر ما نريد ان تدور عجلة التنفيذ الفعلي، كما أن هناك العديد من أوجه التنمية التي لا تتطلب إنفاقاً مباشراً للأموال من قِبَل الحكومة بل وضع سياسات جديدة, مثل تشجيع مبادرات القطاع الخاص، وتوضيح موقف الحكومة من القطاع الخاص على أرض الواقع، وتوجيه السياسات التي تعين على الارتقاء بمستوى معيشة المواطن.لا نملك إلا أن نتمنى تنفيذ الخطة، ونتفاءل بذلك، لأنها إن لم تنفذ فإننا سنواجه مشكلة كبيرة للدولة بشكل عام، ان الاجماع السياسي على الخطة خلق نوعا من التطلع الشعبي مصحوبا بالشك والريبة المعتادَين, والاعلام المصاحب للخطة رفع سقف التوقعات، واي تأخير ملحوظ سيؤدي الى احباط عام وخيبة امل شعبية. لا أظن ان تبعات ذلك خافية على احد, خصوصا بعد تراجع مكانة الكويت في الكثير من المؤشرات الدولية النوعية.