لكل منظومة إدارية رسالة وخطة، ولكل رسالة آلية تنفيذية، وما يميز الخطط هو مقدار الواقعية، والارتباط بالرؤية، إلى جانب توفير الآليات والسبل الداعمة لتنفيذها، وأبرز ما يميز علوم الإدارة والتخطيط هو دعم النظريات بالتطبيق العملي والتجارب الواقعية التي تحكي قصص النجاح، وتتخذ من حالات الفشل دروسا، وما التخطيط الاستراتيجي إلا فن من فنون الإدارة الحديثة.
كثيرون هم الذين كتبوا في مجال التخطيط الاستراتيجي والإدارة الفاعلة، وأذكر منهم «مايكل بورتر» أحد خبراء استراتيجية إدارة الأعمال في العالم، ومؤسس معهد الاستراتيجية والتنافسية في هارفارد، وراعي ورشة «عولمة» المديرين التنفيذيين. والمتابع لأعمال بورتر وآخرون من باحثي العلوم الاستراتيجية، يدرك أننا في زمن يفرض علينا الوصول عبر تجاربنا العملية إلى الوصفة المناسبة للتنافسية، والإنتاجية والإدارة الفاعلة. واليوم وبانتشار العولمة و«وزحف» علوم الإدارة على العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أصبح المجال جاذبا لي شخصيا للكتابة عن قراءات جديدة للفكر الاستراتيجي، ومن منظور خليجي أيضا، خصوصا أننا كخليجيين، نشعر أننا نملك ما يميزنا عن الآخر، من خلال أمور كثيرة، منها أننا نستطيع استيراد التكنولوجيا، ونستطيع من خلال الفكر التجاري الفريد الذي نمتلكه، والذي تطور تدريجيا من تجارة اللؤلؤ حتى وصل إلى بناء المؤسسات المالية العالمية، أن نملك ما يؤهلنا لخلق الميزة التنافسية competitive advantage. وبإلقاء نظرة على المؤسسات العامة والخاصة معا في دول الخليج، نجد أن أغلبية القرارات الاستراتيجية في المؤسسات العامة تتأثر قليلا بالعوامل الإدارية الداخلية، والمؤثر الأقوى هو القرار السياسي، أما المؤسسات الخاصة فتتأثر بالعوامل الداخلية في اتخاذ القرار والخارجية في ارتباطها بمؤسسات أجنبية، وأبرز مثال على مقارنة دور القطاعين الحكومي والخاص في التخطيط وإدارة الأزمات، هو تعامل المدارس والعيادات أخيرا مع أزمة الإنفلونزا، فنجد أن أغلب المدارس الخاصة سواء الربحية، أو غير الربحية منها، بادرت بطرح برامج للتوعية منذ صيف هذا العام متفاعلة مع الأنباء العالمية ومستفيدة من الإجراءات المدرسية في الدول الأجنبية، ومستبقة الخطط المحلية، ولم تتردد في الإعلان عن ثبات تاريخ الدوام الرسمي، والعيادات الخاصة أيضا، وقامت بتسويق المعدات والعقاقير والخدمات الخاصة بالأطفال وكبار السن لحمايتهم من الوباء، تأثرا بالعوامل الخارجية والدولية في التعامل مع الهواجس الصحية. أما القطاع الحكومي الصحي، والمتمثل بوزارة الصحة، فهو بين مواجهة التدخل البرلماني بالقرارات الإدارية من ترقيات وتعيينات وعلاج بالخارج من جهة، وتحمل أعباء التعامل بشفافية مع أعداد المصابين، وبالتالي الوصول إلى المرتبة الأولى عربيا في الإصابات بمرض الإنفلونزا من جهة أخرى، مما يحمل وزارة التربية والإعلام أيضا أعباء حملة إعلامية لمواجهة الذعر والخوف من سرعة انتشار المرض في الكويت. وخلاصة القول أن القطاع الخاص يمتلك السبل التنفيذية الواقعية والسرعة في اتخاذ القرار التي يفتقر إليها القطاع الحكومي، ولكن ذلك لا يمنع حاجة القطاع الخاص إلى تطوير استراتيجية مشتركة نحو التنافس، لتفادي خسارة الأطراف جميعها، وهذا ما سنتطرق إليه في المقال القادم، بالإضافة إلى أنه لا يخفى على أحد بعد ذلك كله أن عقليتنا في التعامل مع التخطيط وإدارة الأزمات بحاجة إلى وقفة ومراجعة. ومرة أخرى يتفوق القطاع الخاص على القطاع العام في التعامل مع الأزمات وإدارتها، بأساليب حديثة وتكاليف أقل مما يفتح المجال لإعادة التفكير بخصخصة الخدمات العامة. كلمة أخيرة: كيف نفسر التعامل البرلماني الأخير مع «إجهاض» المطالبة بجلسات مخصصة لوباء الإنفلونزا وحريق الجهراء؟ هل نعتبره نمطا جديدا من السلوك البرلماني، تمكن من خلاله بعض النواب من سحب «بساط المواجهة»، وتحويله إلى لجنة؟ أم هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟!
مقالات
التخطيط الاستراتيجي من منظور خليجي (1-2)
08-09-2009