هل يجب أن يعيش الأتراك والأكراد معاً؟ بحسب رد الكثير من الأكراد المتململين في تركيا (لا)، إذ تستعر منذ عام 1984 حملة انفصالية شرسة أطلقها متمرّدو حزب العمّال الكردستاني الخارج عن القانون، وصعّد هذا الحزب في الأشهر الأخيرة هجماته، مودياً بحياة عشرات الجنود الأتراك في جنوب شرق البلاد الكردي بأغلبيته وخارجه، وفي الآونة الأخيرة، في 20 يوليو، أسفرت غارة كردية بالقرب من بلدة كوكوركا عن مقتل ستة جنود أتراك وجرح ما لا يقل عن 15.

Ad

واليوم، يتساءل عدد متزايد اليوم من الأتراك عن فضل التعايش مع ما يُقدّر بـ14 مليون كردي في البلاد، ناهيك عن أن إسطنبول أكثر مدينة في العالم فيها أكراد، أو أن المحافظات القليلة التي يطالب بها الأكراد متجانسة إثنياً. تحظى فكرة ضرورة أن يستقل الأكراد بتأييد متزايد في المناظرات التلفزيونية وعبر المدوّنات الإلكترونية. في هذا الإطار، يلفت أنور ساهين، الذي يرأس غرفة التجارة في محافظة أردو في البحر الأسود، إلى أن زملاءه من المنتجين لا يرغبون بعد اليوم في أن يحصد الأكراد المهاجرون في مواسم محددة محاصيلهم من البندق.    

في الوقت عينه، تتصاعد الحملة العسكرية ضد حزب العمّال الكردستاني، وينوي حزب العدالة والتنمية المعتدل إسلامياً، والذي حكم تركيا منذ عام 2002، نشر جيش محترف جديد على طول الحدود مع العراق، حيث يملك حزب العمّال الكردستاني ملاذات كثيرة، ويخشى البعض من العودة إلى الإجراءات القاسية التي اعتُمدت في تسعينيات القرن الماضي، حين أُخليت نحو ثلاثة آلاف قرية كردية بالقوة، وتعرّض آلاف الأكراد للسجن، أو القتل، أو الخطف.

فضلاً عن ذلك، تتكثف الغارات الجوية التركية على القواعد الجبلية لحزب العمّال الكردستاني في شمال العراق، ومن جهتها، تساعد الولايات المتحدة عبر توفير المعلومات الاستخباراتية وتوسيع المجال الجوي الذي تستخدمه الطائرات المقاتلة التركية، لكن الأميركيين قلقون من دعوات تركيا التي تزداد صخباً وتطالب الأكراد العراقيين بتسليم نحو 200 متمرّد، بمن فيهم قادتهم، وآخر ما يريد الأميركيون رؤيته، عند انسحابهم من العراق، هو نشوب حرب بين تركيا والأكراد العراقيين.

يتناقض ذلك بشكل تام مع ما جرى في العام الماضي حين رحّب حزب العدالة والتنمية بما سمّاه "الانفتاح" على الأكراد، فقد أوقف الأعمال العدائية ضد الأكراد العراقيين وافتتح قنصلية في أربيل، عاصمتهم، أمّا محلياً، فنفّذ مجموعة من الإصلاحات السياسية والثقافية لإقناع حزب العمّال الكردستاني بتسليم أسلحته، في أعقاب وقف لإطلاق النار أحادي الجانب من قبل حزب العمّال الكردستاني أُعلن في أبريل إنما لم يُطبّق بالكامل، لكن مقاربة الانفتاح توقّفت بعد عودة 34 طائرة مقاتلة تابعة لحزب العمال الكردستاني من العراق إلى تركيا في أكتوبر الفائت، ويُفترض أن تعود المزيد من الطائرات، لكن الجماعة الكردية أثارت امتعاضاً عاماً حين جابت المنطقة الجنوبية الشرقية بثياب عسكرية معلنةً انتصارها، ورداً على ذلك، صعّدت الحكومة حملة اعتقالاتها لأعضاء في حزب السلام والديمقراطية المؤيّد للأكراد، متّهمةً إياهم بالانتساب إلى حزب العدالة والتنمية، فحوكم نصف العائدين لرفضهم العدول وزُج عشرة منهم في السجن، وفي المقابل، ردّ حزب العمّال الكردستاني، في الشهر الفائت، عبر إلغاء هدنته.

تؤيّد بعض الأصوات العودة إلى السلام، فقد طالبت مجموعة من المفكّرين الأتراك الحكومة بتغيير بند مثير للجدل في الدستور يعتبر جميع المواطنين الذين يحملون الجنسية التركية أتراكاً، هذا واقترح أحد رؤساء البلدية في حزب العدالة والتنمية أن يتّخذ الرجال الأتراك من النساء الكرديات زوجات ثانيات لهن، بينما يؤمن آخرون بضرورة أن يتحاور حزب العدالة والتنمية مع زعيم حزب العمّال الكردستاني المسجون، عبدالله أوجلان، فعلى الرغم من تمضيته 11 عاماً في الحبس الانفرادي في أحد السجون الواقع على جزيرة بمحاذاة إسطنبول، لا يزال أوجلان يحظى بولاء مقاتليه ومحبّة ملايين الأكراد.

أجرى بالفعل موظّفون أمنيون واستخباراتيون على ما يُفترض محادثات سرية مع أوجلان لبعض الوقت، وفي هذا الصدد، يقول مراد قرايلان، قائد حزب العمّال الكردستاني في شمال العراق، إن جماعته تريد التحدث إلى سياسيين، وليس إلى جواسيس، واقترح هذا الأسبوع وقفاً لإطلاق النار ثنائي الجانب. لكن مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في يوليو المقبل، من غير المرجّح أن يخاطر رئيس الوزراء التركي، رجب طيّب أردوغان، بإثارة غضب قومي عبر التحاور علناً مع جماعة تعتبرها تركيا وحلفاؤها في الغرب إرهابية. في المقابل، كما يعلم أردوغان، من شأن التخلي عن الإصلاحات لأجل شن حرب تقوية قبضة خصومه داخل الجيش. لذلك يبدو اليوم أمام حلّين أحسنهما شر.