هناك كثير من الشركات تصرح بأنها تفكر في الاندماج مع شركات أخرى متشابهة وغير متشابهة في النشاط، ولكن السؤال الذي يدور في ذهن المتابع للواقع الاقتصادي: لماذا لم نر عملية اندماج على ارض الواقع إلى الآن؟
وقد اتفق عدد من المحللين الذين تحدثت اليهم "الجريدة" على أن من الأسباب الرئيسة في عدم وجود عملية اندماج هو أعضاء مجالس الإدارة وكبار الملاك وخوفهم على مناصبهم وعدم النظر إلى الأزمة ومدى تأثيرها على الشركة وعلى أموال المساهمين.فقال علي النمش إن هناك فئة لها عقلية قديمة جداً وهي لا تريد التنازل عن منصب أو أصل أو حتى سمعة مقابل البقاء، فهي مستعدة للانتحار وهي على كرسيها ومجدها، فذلك أهون عليها من أن ترى أحداً يزيحها ويحيلها إلى التقاعد.وتشابهت آراء من تحدثت اليهم "الجريدة" في ما يتعلق بأن يكون الاندماج هو الحل للشركات المتعثرة، وقال جعفر القلاف إنني مؤمن بأن الاندماج هو خيار للنمو والتطور وليس حلاً أكيداً لمشاكل قائمة، في حين وافقه الرأي الفرس، وقال إن الاندماج ممكن أن يكون حلاً مناسباً لبعض الشركات المتعثرة لا للكل، موضحاً أن هناك شركات تستطيع النهوض بنفسها ولا تفكر في الاندماج، لافتاً إلى أن الحل الوحيد لبعض الشركات هو تصفيتها وإعلان إفلاسها.تحديد أشكال الاندماجاتقال جعفر القلاف، مدير "أصول" الاستثمارية إن المطلوب لتسهيل عملية الاندماجات المستقبلية أولا التشريعات والقوانين، فبوجود التشريعات والقوانين المنظمة للاندماجات وبأشكالها المختلفة فإن ذلك يسرع من تحقيق الأهداف، ثانيا وضوح إستراتيجية الاندماج وتلك مسؤولية ملقاة على القطاع الخاص، لأن الاندماج إجراء طويل وفيه تفاصيل كثيرة، مما يتطلب الاستعانة بخبرات متخصصة ومحترفة تشمل الجوانب القانونية والمالية والفنية.وأضاف القلاف أن هناك ضرورة لتحديد أشكال الاندماجات وهي تأتي ثالث المطلوبات لتسهيل عملية الاندماج، ونقصد به الاندماج الرأسي أو الأفقي, المتكامل في طبيعة العملية الإنتاجية.وأردف القلاف: "هنا استطيع ان أؤكد أن هناك الكثير من الشركات الكويتية الموجودة لدينا سواء المدرجة أو غير المدرجة ولملاك مختلفين وأخرى لملاك متشابهين, يستطيعون تحقيق معادلة النجاح في عملية الاندماج".أما في ما يتعلق بأن الاندماج يشكل حلا لمشاكل بعض الشركات فقال القلاف: "أعتقد انه من الأفضل بمكان أن نعرف الاندماج بشكله الصحيح والمتعارف عليه علميا, إذ انه خيار من الخيارات المستخدمة في مجال صناعة الهيكلة المالية للشركات وتحديد إستراتيجية النمو والتشغيل".وأوضح القلاف ان الدمج يحقق النمو في الكيان الجديد دون الحاجة إلى إنشاء وتأسيس، أي انه يتكون من خلال كيانات قائمة يتم دمجها وبخيارات متعددة لتحقيق إستراتيجية النمو والتطور في هذا الكيان الجديد، موضحا ان الهدف الأساسي منه هو تحقيق معدلات تشغيل مرتفعة وفق ما يسمى باقتصادات الحجم الكبير الذي يحق ارتفاعا في الإيرادات والمبيعات ويحقق ضبطا منطقيا للمصروفات، مما يقود في النهاية إلى تحقيق معدلات ربحية أعلى.وأشار القلاف إلى ان هناك وسائل للاندماج، ذاكرا منها الاندماج الطبيعي، وهو أن تقوم شركات قائمة غير محدد عددها بطلب الاندماج، وفق كيان واحد إما أن يكون قائماً من ضمن الراغبين في الاندماج او بتأسيس كيان قانوني جديد يمثلهم.وأردف القلاف ان من وسائل الاندماج أيضا الاستحواذ وهو يختلف عن الاندماج لأنه يكون مقدمة لعملية اندماج وحدات إنتاجية متوقعة، وهو كما نعرف إما ان يكون وديا او قسريا, وهناك الاستحواذ العكسي... الخ، وهو يختلف عن الاندماج الطبيعي وذلك لاختلاف التشريع والإجراء.وختم القلاف بقوله "إنني مؤمن بان الاندماج هو خيار للنمو والتطور و ليس حلا أكيدا لمشاكل قائمة".البعض غير مقتنعقال المحلل المالي علي النمش إن هناك شركات متعثرة متشابهة في النشاط، وحتى غير متعثرة تحتاج إلى الاندماج، إما للخروج من الأزمة بسلام او السيطرة أكثر في ظل الأوضاع الراهنة، خصوصا أن الشركات غير المتعثرة يمكنها فرض نفسها حاليا أكثر من أي وقت مضى وبتكاليف أقل إذا ما تم الاندماج. وأوضح النمش أن "الأسباب التي لم تجعلنا نرى اندماجاً هي أن البعض مازال غير مقتنع بأن هناك أزمة، ويتخيل أن الأمور ستكون أفضل بكثير بأسرع وقت، كما أن البعض الآخر لا يريد الظهور بموقف المنكسر والمفلس ولا يريد اطلاع الغير على موقفه الحقيقي".وأردف النمش: "إن هناك فئة لها عقلية قديمة جداً وهي لا تريد التنازل عن منصب أو أصل أو حتى سمعة مقابل البقاء، فهي مستعدة للانتحار وهي على كرسيها ومجدها، فذلك أهون عليها من أن ترى أحداً يزيحها ويحيلها إلى التقاعد.وأضاف النمش : "مع هذا كله سنرى حالات للاندماج، وستكون محدودة في نظري، لكنها ستكون بداية لعمليات اندماج أكبر في المستقبل".عدم وضع خطةذكر مستشار مجلس الإدارة في شركة "أرزاق كابيتال" صلاح السلطان أسباب عدم اندماج الشركات بعضها ببعض، وهي عدم وضع خطة متكاملة لتسهيل عملية الاندماج من قبل الدولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشركات ووضع الخطط السليمة للشركات المتعثرة.وأضاف السلطان ان من الأسباب أيضا عدم اهتمام أعضاء مجالس ادارة الشركات في هذا الموضوع، والخوف على الكرسي وعدم مطالبة المساهمين بالاندماج، مستغربا تردي الأوضاع المادية لبعض الشركات يوما بعد يوم، ومع ذلك فإنها لم تحرك ساكنا من قبل الإدارة ولا المساهمين.وقال السلطان لابد ان تكون هناك خطوة جريئة من قبل مجالس الإدارة وأيضا غرفة التجارة والصناعة بسبب فقدان بعض الشركات ثلاثة أرباع رأسمالها، مطالبا غرفة التجارة بالتدخل في هذه الشركات بتخفيض رأسمال الشركة او دمج الشركات المتعثرة بعضها ببعض.وأوضح السلطان ان الاندماج ليس شرطا ان يكون هو الحل للشركات المتعثرة وإنما هو لتخفيف العبء على المندمجات، خصوصا إذا كان نشاطها واحدا او متقاربا بعض الشيء.وأضاف السلطان ان الاندماج له فوائد كثيرة منها دخول الحكومة في بعض الشركات وشراء حصصها، مما يؤدي إلى تحريك النشاط الاقتصادي، وأيضا من فوائد الاندماج إنقاذ المساهمين من مجالس الإدارة وتخليص الشركة من الديون، والنهوض بالاقتصاد ككل.حساسية الاندماجقال رياض الفرس استاذ الاقتصاد في جامعة الكويت إن هناك حساسية من موضوع الاندماج لدى بعض أعضاء مجالس الإدارات، لأن معظم الشركات تملكها عوائل وأفراد مرتبطة بأسماء معينة، والاندماج قد يسبب فقدان اسم هذا الفرد او اسم هذه العائلة من السوق.وأردف الفرس ان بعض الشركات وضعها سيئ جداً، وهناك شركات وضعها شبه جيد او مستقر نوعا ما، وهذا من الأسباب التي تجعلنا لا نرى عمليات اندماج بين الشركات، مما يؤدي إلى الإساءة إلى سمعة الشركات الجيدة.وأضاف الفرس ان عملية الاندماج غير متعارف عليها في الكويت، مما خلق نوعا من التخوف لدى بعض الشركات من موضوع الاندماج، لافتاً إلى ان هذه الأسباب الثلاثة هي التي جعلتنا لم نر عمليات اندماج بين الشركات.وأوضح الفرس ان الاندماج ممكن ان يكون حلا مناسبا لبعض الشركات المتعثرة وليس الكل، موضحا أن هناك شركات تستطيع النهوض بنفسها ولا تفكر في الاندماج، لافتا إلى ان الحل الوحيد لبعض الشركات هو تصفيتها وإعلان إفلاسها.الطبيعة المؤسساتيةقال أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الإدارية جامعة الكويت محمد السقا إن خيارات الاندماج بين الشركات خيارات مثاليا في حالة سيادة أوضاع سيئة في صناعة محددة، أو تعرض بعض الشركات لخسائر كبيرة تهدد قدرتها على الاستمرار في السوق على المدى الطويل، أو في حالة الرغبة في تكوين كيانات اكبر واقوى واقدر على المنافسة والاستمرار في الصناعة، وهي جميعها ظروف تتشابه مع الظروف التي يمر بها سوق الخدمات المالية نتيجة للأزمة. وأضاف السقا أنه مما لا شك فيه أن الأوضاع الحالية تعد أوضاعا مثالية للبدء في هذا الاتجاه للتعامل بصورة أكثر كفاءة وفاعلية مع ضغوط السوق، وإذا لم تتحرك المياه الراكدة في هذا الاتجاه، فربما يكون من الأنسب ان يتم فرض خيار الاندماج أو سحب الترخيص من قبل البنك المركزي وذلك للتأكد من وجود كيانات مالية في سوق المال أكثر قدرة على تقديم الخدمات المالية بمخاطر اقل واستعداد اكبر وتهيؤ أعلى.وأردف السقا : "ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا نشهد حالات اندماج بين المؤسسات المالية المضطربة على الرغم من ان هذا الخيار قد يكون الأنسب في مثل هذه الأوضاع والأسلم أيضا لسوق الخدمات المالية؟ لا شك ان هناك عدة أسباب للعزوف عن خيار الاندماج يمكن اختصارها في الآتي:السبب الأول: هو الطبيعة المؤسساتية لهذه الشركات بصفة خاصة في ما يتعلق بالهياكل الحالية للملكية، والتي ربما تميل إلى ان تكون عائلية أو لمجموعة أعمال محددة ذات مصالح مشتركة، ومثل هذه الكيانات القانونية تفضل الاستقلالية المطلقة ولا تنظر إلى خيار الاندماج، على انه خيار مناسب لها، لأنه سوف يفقدها جانبا من السيطرة على الشركة في حال اندماجها في كيان أكبر.السبب الثاني: ربما يكون مرتبطا بطبيعة التوقعات لحل مستقبل الأزمة ومسارها في الأيام المقبلة، حيث قد يتوقع ملاك هذه الشركات أن تكون الأزمة في طريقها إلى الحل يوما ما، ومن ثم فإنه ليس هناك أي داع للاستعجال والاندماج مع كيانات أخرى ومن ثم فقدان السيطرة على عملية إدارة هذه الشركات لاحقا.السبب الثالث: ربما يعود إلى أن هذه الشركات، وعلى الرغم من أنها مسجلة على أنها شركات مساهمة في سوق المال، فإنها من الناحية العملية ليست شركات مستقلة أصلا، حيث إنها أنشئت في الأساس لخدمة أهداف معينة لشركة أم، على سبيل المثال لأن تكون ذراعا مالية لهذه الشركة الأم، ومن ثم فإن هذه الشركات حتى ان كانت تواجه متاعب حاليا فان هذا لا يؤثر على قابلية هذه الشركات على الاستمرار لأنها جزء من كيان اكبر وهذا الكيان على استعداد لتحمل الخسائر الناجمة عن استمرار مثل هذه الشركات لفترة طويلة من الزمن.السبب الرابع: ربما يعود إلى طبيعة الضغوط التي تتولد في السوق في أوقات الأزمة، حيث تتسم هذه الضغوط بالضعف، بما يسمح لهذا العدد الضخم من الشركات أن يستمر ككيانات مستقلة دون أن تتعرض للإفلاس، على الرغم من أوضاعها المالية السيئة.هيمنة الإدارةقال علي الموسى، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة مجموعة الأوراق المالية، ان كثيرا من الناس الذين يملكون شركات، يهيمنون عليها تماما، ولا ينظرون إلى الأزمة ومدى تأثيرها على الشركة، لافتاً إلى ان هذا هو السبب الرئيسي لعدم وجود عمليات اندماج بين الشركات المتعثرة.وأضاف الموسى أنه يجب أن تكون هناك بوادر من قبل الإدارة في عملية الاندماج لحل مشاكل الشركة المتعثرة والنهوض بها إلى مستوى جيد، مشددا على أن هناك واجبات يجب ان يقوم بها المساهم للضغط على الإدارة لتفكر في عملية الاندماج على الأقل.وأوضح الموسى ان عمليات الاندماج تخلق كيانات قوية بين شركات تستطيع النهوض وقيادة الاقتصاد، هذا إذا كان وضع الشركات جيدا او شبه مستقر، أما إذا كان وضع الشركات التي تفكر في الاندماج مترديا، فإنه لا يكون حلا ولا يستطيع أن يفعل شيئاً.وأردف الموسى أنه يجب على الشركات المستقرة ان تفكر بالاندماج، لأنه يشكل حلا مناسبا لهذه الشركات، مما يولد نوعا من الثقة بين المساهمين ويزيد السيولة في السوق وهذا بفضل عمليات الاندماج.
اقتصاد
العقلية القديمة في الشركات تعوق عمليات الدمج
04-07-2010