بعد الخسارة المدوية لمنتخب سيدات الكويت أمام منتخب سيدات فلسطين بسبعة عشر هدفا، خرجت أصوات غاضبة تهدد وتتوعد وتحذر، وكان صوت النائب محمد هايف- كالعادة- في مقدمة هذه الأصوات الغاضبة المزمجرة، حين طالب بمحاسبة المسؤول عن هذه المشاركة النسائية التي اعتبرها «جزءا من الفوضى لتمييع مبادئ وهوية المتجمع الكويتي»، وتساءل: «هل هذه المباراة النسائية المعروضة على الملأ... وفق تعاليم الإسلام وعادات المجتمع الكويتي المحافظ؟!»، أما النائب وليد الطبطبائي فاستنكرها «لوجود مخالفات شرعية... بالإضافة إلى عدم مناسبة كرة القدم للمرأة»!

Ad

النائب مبارك الوعلان بدوره اعتبرها «خروجا واضحا على أبسط أسس الالتزام بالثوابت الإسلامية»، وأن ما حدث «يعد خرقا واضحا للأعراف التي جبل عليها أهل الكويت»! أما النائب خالد السلطان فرأى أنها «مؤشر لانفلات الأوضاع الاجتماعية» وتساءل: "ما القيمة من تقليد دول تفخر بتبرجها؟!".

وحدها النائبة أسيل العوضي التي رأت أن «من حق المرأة ممارسة الرياضة على مستوى تنافسي»، وأن «الوصاية مرفوضة»، وأنه إذا كان هناك محاسبة فيجب أن تكون على «إهمال الرياضة النسائية»!

وتماشيا مع تصريحات النواب الغاضبة بدأ التجريح والطعن والاستهزاء بمجموعة الفتيات اللواتي شاركن في هذه المباريات، وبأولياء أمورهن من خلال المدونات والمنتديات الإلكترونية، وكأنهن قد شاركن في حفلة ماجنة لا في مباراة لكرة قدم، نلن فيها من «البهدلة الكروية» ما نلن بسبب سوء مستواهن وضعف إعدادهن وافتقادهن للتنافس المحلي الذي يطور المستوى... وجزى الله منتخب سيدات الإمارات اللواتي شاركن بالصف الثاني رحمة بمنتخبنا خيرا لتنتهي النتيجة بسبعة أهداف نظيفة فقط!

بعد النواب، جاء صوت شيوخ الدين ليدلوا بدلوهم، فاستهل المسيرة الشيخ عجيل النشمي بفتوى قال فيها «مشاركة الفتيات الكويتيات بلعب كرة القدم من كبائر المحرمات المتوعد فاعلته بعذاب في الدنيا والآخرة، لما فيه من إشاعة للمنكر والفحشاء في الفعل والمظهر»، وأن «مظهر المرأة وهي تلعب كرة القدم جمع العديد من المحاذير الشرعية والأخلاقية الواحدة منها تكفي للتحريم»، داعيا الفتيات إلى التوقف عن لعب الكرة وإلا «سيجدن لا محالة عذابا في الدنيا وعذابا أشد في الآخرة وصفها الله بالعذاب الأليم»، داعيا آباء وأزواج وإخوة اللاعبات لمنع بناتهم من مواصلة اللعب، وإلا فإنهم شركاء معهن في الإثم ويستحقون العذاب الأليم المتوعد به... يا ساتر!

فتوى شيخنا الفاضل مع احترامي له ولها أقرب إلى أن تكون رأيا شخصيا أكثر منها فتوى، فما أعرفه عن الفتاوى أنها تستمد من النصوص الدينية كالآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية، حيث يستمد الفقيه منها فتواه بالتحريم أو التحليل، ومعروف أن الأصل في الأشياء هو الإباحة ما لم يرد نص صريح بالتحريم، وما ينطبق على فتوى الشيخ النشمي ينطبق على كلام الإخوة النواب الذي يبدو من الواضح أنه ينبع من العادات والتقاليد لا أقل ولا أكثر، فالقول بحرمة ممارسة الفتيات كرة القدم وإنهن سيعذبن في الدنيا والآخرة يحتاج إلى دليل من القرآن أو السنّة، فنحن نأخذ حلالنا وحرامنا من كلام الله ورسوله فقط!

كان الأجدر بالشيخ- كونه عالم دين- أن ينبه لضرورة احتشام النساء أثناء ممارستهن كرة القدم أو المطالبة باقتصار الحضور على النساء أو أي ضابط شرعي آخر، أما أن يتوجه فورا للتحريم ففي الأمر مبالغة وقسوة لا داعي لهما أبدا، سوى أن فتواه ردة فعل غاضبة ممن يفترض به الهدوء والروية ساعة الفتوى!

مع كل هذا... يجدر بي أن أختم كلامي بالتنبيه إلى أنني من غير المؤيدين لهذه المشاركة النسائية، بل أميل إلى الوقوف في صف المعارضين لها، فمن الواضح أنها خطوة متسرعة كان ينبغي أن تسبقها خطوات، فمن المهم جدا أن يتقبل المجتمع ممارسة المرأة الرياضة بشكل طبيعي محليا، قبل التوجه للمشاركة الخارجية وذلك للظهور بالمظهر المشرف وعدم التحول إلى «ملطشة» لباقي المنتخبات، وكذلك لتجنب الإساءة إلى الفتيات المشاركات من قبل البعض الذي يجد متعة ولذة في الطعن بأعراض البشر دون وازع من دين أو ضمير!

أعتقد أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت، وأن الزمن كفيل بتغيير الأفكار والنظرة لممارسة المرأة الرياضة، فيا أيتها النسوة المظلومات: اصبرن وصابرن وتعلمن بعض الفنون الكروية حتى يحين الوقت المناسب... و«بلاش بهدلة بلا داعي»!