ثمة خيار بديل للحرب النظامية يبدو أن الغرب اختاره لإيران يقضي فيما يقضي تشديد الخناق الاقتصادي والتجاري عليها من الخارج، وإعلانه دعم قوى المعارضة التي تسمي نفسها بالحركة الخضراء بأدوات الحرب النفسية بعد أن يئس تماما من خيار الضربة العسكرية المكلفة جدا على ما يبدو، وكذلك من الحرب الناعمة التي حاول تنفيذ خطتها خلال العام المنصرم.

Ad

ويسعى الغرب المنهك من حربي أفغانستان والعراق أن يصل إلى مناه، والذي سماه يوما بالجائزة الكبرى، أي الانقضاض على إيران والخلاص من صداعها المزمن بمعادلة تمويهية متناقضة عنوانها «الضغط من تحت والتفاوض من فوق».

لكن هذا الغرب المادي النزعة حتى النخاع لاسيما الأميركي منه لا يعرف ولا يريد أن يعرف، على ما يبدو وهو أمر محمود بالنسبة لنا، أن إيران ما كانت يوما تثور على حاكمها أو تغير طبيعتها أو هويتها أو دينها إلا على قاعدة التحدي الثقافي والمعنوي، ولم يكن العامل الاقتصادي يوما لاعبا أساسيا في تحولاتها.

والأميركيون والغربيون اليوم يكادون يصلون إلى القاع من منحدر الحضارة، ناهيك عن كونهم في أدنى سلم التراجع المادي أيضا.

قد يكون هناك ألم ووجع ومعاناة مادية أو معنوية تعانيه إيران هنا أو هناك نتيجة أخطاء الداخل، وما أكثرها، أو نتيجة ضغط الخارج وما أثقله، لكنك إذا ما دققت في إيران الحالية، فإنك سرعان ما ستكتشف نوعا من الشعور الوطني والقومي المتأجج الذي يشبه مشهد قيام أمة بأكملها.

ثم إذا ما دققت في ما يحصل حقيقة على أرض الوطن من الداخل من فوران لثورة دينية متأججة يقودها الجيلان الثالث والرابع للثورة، وهما يستحضران كل تراث وتاريخ الرعيل الأول من إسلام محمد بن عبدالله وآل بيته وأصحابه والتابعين إلى كل التراث المتنوع الذي تركه لهم القائد المؤسس آية الله الموسوي الخميني، فإنك سترى مشهد قيامة دينية عارماً يكاد يصل فورانه إلى عنان السماء.

قل لي بالله عليك، كيف ولماذا يراهن هذا الرجل الأبيض الغبي ذو العينين الزرقاوين على معادلة الضغط من تحت والتفاوض من فوق، أو الضغط من الداخل والتفاوض من الخارج، والحال هذه في إيران؟!

إنها ليست معضلة الغرب لوحده البتة، بل هي معضلة أشباه المثقفين من أبناء جلدتنا المنبهرين بالحداثة وما بعد الحداثة والذين بعد أن ألغوا عامل الدين من حسابات حركة الشعوب ها هم يلغون حركة العقل أيضا، ويصرون على التجربة العينية الملموسة، فليلمسوها إذن خسارة مدوية على مستوى الواقع بعد مستوى النظرية، فبعد سقوط كل من هنتغنتون وفوكوياما، ها هو دور أوباما يأتي ليجرب حظه العاثر مع إيران بعد أن وصلته رسالة القيادة العليا صريحة وقاطعة وحازمة: «لن نتخلى عن أهلنا في فلسطين والقدس الشريف، حتى لو حاصرتمونا ألف عام، وليكن في علمكم أيضا أن بنزينكم الذي تهددون بقطعه عنا تسطيعون أن تشربوه من الآن فصاعدا، بعد أن قررنا التسارع في عملية الاكتفاء الذاتي والتحول قريبا إلى دولة مصدرة لهذه المادة، وأما البنوك ومعاملاتها فإنكم لا تعرفون بعد قوة دورة الاقتصاد الديني الشعبي التي تستطيع أن تقهر إمبراطوريات في أوج صعودها، كما فعلت مع بريطانيا، وهي في أوج عظمتها في بدايات القرن العشرين، فكيف بإمبراطوريتكم الآفل نجمها والمتسارع انحدارها نحو الهاوية؟.

فهل سيظل أوباما مصمما على تجريب حظه العاثر, وقد قيل قديما «من جرب المجرب حلت به الندامة»؟!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني