ودَّعنا قبل ثلاثة أيام سنة 2009، كما كنا قد ودّعنا في ما مضى سنة 1959.

Ad

يفصل بين السنتين خمسون عاماً بالتمام والكمال، فهل هناك تشابه بينهما؟

نعرف الآن أن سنة 2009 احتوت في جوانبها على مفاصل تاريخية وأحداث تحدث للمرة الأولى، لم يكن أقلّها فوز المرأة بالانتخابات، أو استجواب ثم طرح الثقة برئيس الوزراء وغيرها من أحداث بالإمكان وصفها بأنها تاريخية كاملة الدسم.

أما سنة 1959 فقد كانت هي ذاتها ملأى بالأحداث التاريخية، والأهم من بين أحداثها، هو أنها كانت السنة التي وُضِعت فيها أسس الدولة الحديثة الدستورية. فقد كانت سنةً ثريةً وغنيةً بدون مبالغة.

فمنذ بدايتها وما تلا مهرجان ثانوية الشويخ الأشهر، وبيان الشيخ عبدالله السالم رحمه الله، الذي كانت نبرته حادة، إذ اتهم «الشباب» بأنهم قد «ركبوا رؤوسهم»، وما تلا ذلك من إجراءات قاسية ضد حركة المجتمع، والتي لم تكن في مجملها موجهة ضد الوضع الداخلي، ولكنها أيضا كانت تتعامل بقلق مع احتمالات التوتر المحتمل مع عراق عبدالكريم قاسم، والخشية من تطورها إلى ما لا يُحمَد عقباه. وفي حين أن ما يتم ذكره عادةً في هذه السنة من إجراءات يركِّز فقط على القمع الذي تم فيه مواجهة القوى السياسية والصحافة والمجتمع المدني، إلا أنه قلّما يتم ذكر ما جرى من إجراءات جذرية داخل الحكومة ذاتها.

بالطبع لم يكن هناك حينئذ مجلس وزراء، إذ كانت الوزارات تسمى دوائر، ويرأس كل دائرة شيخٌ من الأسرة الحاكمة هو بمنزلة الوزير في أيامنا هذه، ويدير الدائرة مدير من عامة الشعب، هو بمنزلة وكيل الوزارة في الوقت الراهن. وكان رؤساء الدوائر من الشيوخ يلتئمون في اجتماعٍ كان يُعرَف حينئذ باسم «مجلس الشيوخ»، إلا أنه كان يلاحَظ على مجلس الشيوخ أنه لم يكن له رئيس رسمي، ولم يكن له جدول أعمال رسمي، وكانت قدرته كمؤسسة على اتخاذ القرارات النافذة مسألة فيها نظر، وكثيرا ما كانت تسيطر عليه الخلافات وبالذات بين الشيوخ الكبار، وأصبح أمراً عادياً أن يقرر الشيخ الزعلان مقاطعة جلسات المجلس فترةً زمنيةً ثم يعاود الظهور بشكل متقطع.

وبالتالي فإن إجراءات 1959 لم تقتصر على الجانب القمعي، بل شملت أيضا إجراءات يمكن وصفها بالجذرية حين تم إعفاء الشيخ صباح السالم، رحمه الله، من رئاسة دائرة الشرطة وتكليفه برئاسة دائرة الصحة، وفي خطوة دلّت على تنامي نفوذ الشيخ عبدالله المبارك، رحمه الله، تم دمج الشرطة بالأمن العام تحت رئاسة عبدالله المبارك، وتم تعيين الشيخ سعد العبدالله نائباً له. كان لافتا أن تلك الإجراءات أدت إلى غضب الشيخ فهد السالم رحمه الله، واعتباره أن ما جرى كان تقوية لنفوذ خصمه اللدود في استحواذه على الأمن العام والشرطة في جهاز واحد، وهو الذي كان حريصاً طوال الخمسينيات على الإبقاء على الجهازين منفصلين. وقد غادر فهد السالم بحراً، ولكنه لم يطُل الأمر به إذ تُوفي فجأة أثناء رحلته البحرية قرب السواحل السعودية.

وفاة فهد السالم المفاجئة أحزنت عبدالله السالم حزناً شديداً لدرجة أنه أمر بوضع صورة فهد كغلاف على الجريدة الرسمية (الكويت اليوم). فبالنسبة لعبدالله السالم، وعلى الرغم من ملاحظاته على أسلوب فهد السالم في الإدارة، فإنه كان يؤدي دوراً مهماً في تحييد طموحات عبدالله المبارك، وربما يكاد يكون الوحيد من بين الشيوخ القادر على مواجهته، والذي كان حتى عبدالله السالم يتحاشاها.

شعر عبدالله السالم بأنه هو الذي تسبب في وفاة أخيه فهد، ولكنه الموت، أقوى الأقوياء، فإن جاء أمر الله فلا رادّ له.

وعلى أية حال لم تنتهِ قصتنا مع سنة 1959، فمازال فيها ما يستحق أن يقال.