دفتر سيجارة تحية الى بيروت


نشر في 27-04-2010
آخر تحديث 27-04-2010 | 00:00
 طالب الرفاعي ربما أحد أهم ما يتصف به الفن هو قدرته اللافتة على محاكاة الواقع، كي يعري هذا الواقع ويزيل عنه الغمامة التي تغلفه في ثوب اليومي والروتيني والراكض والعابر. فالإنسان في عبوره لجسر يومه، وفي استهدافه الوصول إلى مكانٍ وعالمٍ اعتاد العمل فيهما، إنما يفوته الالتفات إلى ضفتي الطريق على جانبي الجسر. وكما يحدث أن نسلك طريقاً لسنوات، دون أن تحين منا التفاتة إلى ما على جانبيه. كلُ واحدٍ منا مأخوذ بأفكاره وهواجسه وأحلامه الصغيرة. ووحدها عين الفن الحساسة تلتفت إلى ما هو ملقى على قارعة الطريق، تقف أمامه وتقلب فيه، وترى فيه ما لا يراه العابر.

«دفتر سيجارة» نص الشاعر بول شاوول، الذي يصور السيجارة بوصفها رفيق دربٍ ليومه وذكريات عمره، ويصورها كدخان يتصاعد من زوايا الحياة حاملاً مواجع وانكسارات ومتع الحياة العابرة. وهمٌ يسكن قلب وصدر ولسان وملامح الشاعر. دخان يرتفع من أنحاء المدينة- بيروت، ليقول بروح بيروت وأهل بيروت وأزقة بيروت وحلاوات بيروت، وكذلك مراراتها.

تجربة الشاعر بول شاوول مع السيجارة هي معادل لتجربته مع الحياة، فالسيجارة رفيقة وحدته، وإذا كانت قد أودت به إلى المستشفى، فإنه خرج من المرض والمشفى، مسكوناً بالولع على الحياة، وكأن السيجارة التي أخذت منه صحته، وهبته شوقاً جارفاً للحياة، والأماكن والأصدقاء ولحظات الفرح العابرة، وكأن العابر في الحياة هو الحياة نفسها، وكأن أيامنا كالدخان عابرة، تتصاعد بيضاء خفيفة أمام أعيننا، ولا يبقى منها إلا الذكرى.

إن تداخل الأجناس الأدبية، وقدرة المسرح على مسرحة عالم الشعر الرهيف، تتجسد من خلال السينوغرافيا التي أخرجها المخرج جواد الأسدي، لنص شاوول «دفتر سيجارة»، وذلك على مسرح «بابل»، يومي 22 و23 أبريل، بمناسبة بيروت عاصمة عالمية للكتاب.

لقد تخيّر الأسدي سينوغرافيا تتماهى مع فهمه وعالمه المسرحي الخاص المسكون بالوجع والحسرة وربما الموت، آخذاً من نص بول ما يقدم السيجارة بوصفها لسان حال الشاعر، ورفيقة دربه في محباته ووجعه ووحدته، وكما لون أن السيجارة هي لسان حال المدينة، في عبورها من اليومي الزائل إلى الذكرى الباقية.

سينوغرافيا جواد الأسدي «دفتر سيجارة» تمثيل عبدو شاهين، وأداء نسرين حميدان، وعزف نبيه بولص، قدمت متعة مسرحية نقلت الشعر من موسيقاه وشفافيته وصوره الذهنية، إلى معاناة عيش اللحظة بواقعيتها ومراراتها. وتأسيساً على ذلك يُفهم لسان الشعر الممتد الذي يتخطى المسرح ليكون بين المتفرجين، وبما يوحي بأن الشعر/ السيجارة هو جزء من حياة الناس، وأن الدخان المتصاعد من كل أنحاء خشبة المسرح، ماراً على الجمهور، هو اشتباك بين الشعر والسيجارة وبيروت والناس.

إن المتابع لتجربة المخرج جواد الأسدي، يعرف كم هو مسكون بتجسيد الحياة صاخبة ومغرفة في وجعها وإدانتها للواقع، لكنه في «دفتر سيجارة» بدا حذراً، ينتقي نصوصاً من ديوان الشاعر شاوول لتقدم مشهدية مرهفة، زاد في شفافيتها أداء نسرين حميدان بصوتها العذب، وعزف نبيه بولص.

«دفتر سيجارة» هي تحية من مسرحي إلى شاعر، وتحية من شاعر ومسرحي إلى مدينة بيروت العامرة بحيواتها التي تتغير في كل يوم لكنها أبداً تأبى على المحو. 

back to top