لعلكم تذكرون أني كنت تناولت موضوع «التحرش الجنسي في الجامعة» منذ مدة، وأني تحدثت عن اجتماعي ومدير الجامعة الأستاذ د. عبدالله الفهيد على هامش الموضوع، حيث أبدى لي يومها اهتمامه البالغ بما طرحت، ووعدني بالنظر في الأمر بعناية، لكنني أود الاعتراف الآن بأني لم أظن وقتها أن الأمر سيصل إلى ما هو أبعد من التطمينات الدبلوماسية التي تنطلق من أغلب مسؤولينا تجاه القضايا التي تتناولها الصحافة، لكنني فوجئت بالأمس باتصال جديد من د. الفهيد، يدعوني فيه لحضور اجتماع لمجلس العمداء سيعقد حول الموضوع!

Ad

وبالطبع لبيت الدعوة دون تردد وإن بقيت حتى اللحظة الأخيرة غير متفائل كثيرا بما قد ينتج عن الاجتماع، إلا أن الأمور سارت عكس ما كنت أتوجس منه تماما، فقد وجدت من مدير الجامعة ونوابه وجميع الأساتذة العمداء الحضور كل اهتمام وتفاعل جدي مع المسألة.

حرصت في ذلك الاجتماع على القول وبوضوح إن مقصدي من طرح الأمر برمته لم يكن الإشارة إلى أسماء بعينها، لا في ما كتبته بالأمس ولا ما سيجيء على لساني اليوم ولا في ما قد أطرحه في الغد، وذلك على الرغم من توافر أسماء بحوزتي، بقدر ما أني أسعى إلى تعليق الجرس والتنبيه إلى حساسية الأمر دفعا باتجاه التصدي له.

بل لعلي بالغت في حرصي، حين تقصدت حتى عدم الإشارة إلى الأمر على أنه ظاهرة، وذلك كي لا أواجه السؤال المستحق عن حجم هذه الظاهرة، واستعضت طوال حديثي عن ذلك بقولي إنه «أمر» موجود ويشيع الحديث عنه، إن كان تارة على استحياء فإنه بصوت جهير تارة أخرى، وأن هذا القدر من البريق أمام ناظري، ولو كان خافتا متقطعا، يكفي لإثارة الحساسية الصحفية الصادقة للنظر في الأمر بجدية.

والحق أن المسألة قد جرى تناولها في ذلك الاجتماع بشفافية عالية، وبطبيعة الحال فقد تعددت الآراء، إلا أن الوجهات تطابقت في الغالب بالرغم من اختلافها في بعض الجزئيات التي لم تعاكس أصل المسألة، بصرف النظر عن تعريف ملامحها أو تحديد حجمها في هذه المرحلة. وقد كان هناك شبه إجماع على أهمية أن يكون التعاطي مع الأمر على مستواه التثقيفي المهني، قبل أن يكون على المستوى القانوني العقابي، بالرغم من أهمية هذا المستوى، وذلك لأن الأمر ليس مقصورا على البيئة الجامعية، بل هو شبيه بما يجري في الدوائر المجتمعية الأخرى، على تنوعها واختلافها.

ولا أكشف سرا حين أقول إنه قد كان هناك شبه توجس وقلق من قِبل بعض الأساتذة من أن يساء فهم اهتمامهم كإدارة عليا للجامعة بهذا الأمر، على أنه إشارة أو إقرار بوجود مشكلة كبيرة طارئة، في حين أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، إلا أن الرأي استقر في النهاية على أن هذه اللائحة ومثيلاتها موجودة في أعرق المؤسسات التعليمية والأكاديمية والمهنية المتقدمة حول العالم، وأن وجودها والاعتناء بها سيكون دليلا على الارتقاء والتقدم الإداري ونابعا من الإحساس بالمسؤولية، وبالتالي فمن المهم أن يتم العمل على وضعها دون إبطاء في جامعة الكويت، بل لعل ذلك يكون البادئ لإقرار لوائح مشابهة في سائر المؤسسات الأخرى في الدولة.

متفائل جدا مما خرجت به من ذلك الاجتماع، فقد كان القرار هو تشكيل لجنة يعهد إليها بحث الأمر وصولا إلى وضع لائحة تشتمل على التعريفات والقواعد المهنية والأخلاقية الواجبة عند التعامل بين مختلف الأطراف داخل الحرم الجامعي، وكذلك المعالجات التصاعدية السليمة في حالات التجاوز، على أن توفر لكل الأطراف التي قد ترتبط بالموضوع، كل الضمانات الأخلاقية والإجرائية الصحيحة المراعية للواقع والظروف المجتمعية.

جزيل الشكر للأستاذ د. الفهيد على دعوته الكريمة، ولجميع الأساتذة الأفاضل الذين حضروا الاجتماع على حسن ترحيبهم واستقبالهم لي، سائلا الله لهم جميعا التسديد والتوفيق.