يبدو أن الحكومة لم تلق خياراً في مواجهة الأزمات السياسية الأخيرة سوى تقديم تعديلات على قوانين الجزاء و"المطبوعات" و"المرئي والمسموع"، ومنها إضافة فقرة "كما يحكم بنفس العقوبة على كل مَن دعا بالوسائل السابقة إلى إثارة النعرات الطائفية أو القبلية أو التمييز بين الأفراد أو تحقير فئات في المجتمع" إلى المادة 29 من قانون الجزاء، وإضافة حظر المساس بالوحدة الوطنية الى قانوني "المطبوعات" و"المرئي".

Ad

غير أن التعديلات الحكومية قد لا تجد طريقاً سالكاً لإقرارها لما تحمله من غموض في معانيها، واتساعاً لغوياً يمس حرية التعبير والرأي، فمصطلح "إثارة النعرات الطائفية أو القبلية" – بالصورة التي قدمتها الحكومة - يضع قيوداً كثيرة على آليات البحث العلمي والأدبي في المجال الديني والتاريخي، ويقيد الحريات الفكرية، ويطرح تساؤلات مشروعة منها: ما حدود "إثارة النعرات" من عدمها؟ ومتى تمس "كلمة" أو "جملة" في مقال أو ندوة أمن المجتمع والأمن الوطني؟ ومن يحدد هذا المساس ونوعه؟

ومثل تلك المصطلحات الشاسعة والمطاطة، فهماً ومعنى، ما احتواه قانونا "المطبوعات" و"المرئي والمسموع" حين حظر المساس بـ"الصحابة"، وأضيف خلال مناقشته حظر المساس بآل البيت – كرد فعل من النواب الشيعة حينذاك على إضافة الصحابة- علماً أن قوائم الصحابة وآل البيت عليها اختلاف لدى المذاهب الدينية منذ قدم التاريخ الإسلامي.

وإن كان التعديل الحكومي المطروح سيفتح باب "دعاوى الحسبة" على مصراعيه لكل صاحب رأي وعقيدة وفكر يختلف مع الآخرين، فهو أيضاً سيوسع رقعة الذوات المصونة من جهة، ويقلص مساحة الحريات من جهة أخرى، والأخطر من هذا وذاك أن تدخل قضايا الرأي والفكر في خانة جرائم أمن دولة، كما جاء في تعديل الحكومة على قانون الجزاء.

ومن "النعرات الطائفية والقبلية" إلى "تحقير فئات في المجتمع" الذي يعد مصطلحاً فضفاضاً آخر، إذ إن كل اثنين متفقين على فكر محدد وهدف معين يشكلان فئة في المجتمع، ومثلهما مثل الوزراء في الحكومة، فهم يمثلون فئة، وكذلك أعضاء مجلس الأمة الذين يمثلون فئة ايضاً، وبحسب التعديل الحكومي المقدم، فإن التعرض للوزراء والنواب يمكن تكييفه وتصنيفه في باب "تحقير فئات المجتمع"، وحينها لا يمكن لأي صاحب رأي أن يكتب "الوزير الفلاني غير قادر على أداء مهامه" كون أن هذه الجملة يمكن أن تفسر بتحقير الوزير من منطلق التقليل من شأنه وتصغيره، ولا يمكن لناخب أن يقول إن ممثله في البرلمان "فاشل في أداء مهامه الرقابية والتشريعية" لأن مثل هذا الرأي يمكن تفسيره لغوياً بالحط من قدر النائب وإذلاله. وبعد هذه المعاني الفضفاضة التي يمكن تسخيرها لمصلحة طرف على حساب الطرف الآخر، فلا مانع من أن نعيد التذكير بأن الانتقاد الشديد للوزراء والنواب كما في الصوره أعلاه، ومتى ما أريد تكييفه تحت بند "تحقير فئات المجتمع"، سيشكل قضية أمن دولة!

إن التعديلات الحكومية قد تكون صورتها الظاهرة جميلة إذا ما ربطت بالوحدة الوطنية والحفاظ عليها، ولكن تفاصيل الصورة تشكل خطراً محدقاً بالحريات الفكرية في الكويت، وهذا ما يشكل مخالفة صارخة للدستور الذي شدد على أهمية حرية التعبير والرأي، وإذا ما أرادت الحكومة الحفاظ على الوحدة الوطنية فالتشريع المتسرع المستند إلى رد الفعل لا يمكن أن يكون السبيل الصحيح، ولعل أهم منابع الحفاظ على الوحدة الوطنية يبدأ من المناهج التعليمية التي تؤسس الأجيال، والحملات الإعلامية التي تثقف المجتمع بمفهوم المواطنة الصحيحة وقبول الأطراف الأخرى، رأياً وفكراً وتوجهاً.