اجرح وعذّب على ما تشتهي

نشر في 07-07-2010
آخر تحديث 07-07-2010 | 00:01
 أحمد عيسى مر يوم الجمعة الماضي بثقل شديد، فقد أودع فيه أمين عام التحالف الوطني الديمقراطي خالد الفضالة السجن تنفيذا لحكم صدر بحبسه ثلاثة شهور بتهمة سب وقذف رئيس مجلس الوزراء، وأعلنت خلاله أيضا وفاة رمز الرومانسية الفنانة رباب، التي انطلقت من الكويت قبل أن تتنكر لها لاحقا بتهمة تعاونها مع الاحتلال العراقي.

كان يوم الجمعة الماضي حزيناً جداً، فقد كشف لنا كم تغيرت الكويت كثيراً، واختلطت فيه أخبار وصور ومقاطع اعتقال خالد الفضالة مع أغاني رباب، فقد كنت أشاهد صورة رئيس مجلس الوزراء مرافقة لخبر الاعتقال، وأستمع في الوقت نفسه إلى الأغنية الشهيرة لرباب «اجرح وعذب على ما تشتهي» (كتبها الشاعر عبداللطيف البناي ولحنها خالد الزايد عام 1980)، والتي صدحت فيها معاتبة حبيبها بـ»اجرح وعذّب على ما تشتهي، الصدق يبقى... والخديعة تنتهي»، لتختم المقطع مكررة طلبها «اجرح... اجرح... اجرح».

رباب فنانة محترمة رحلت في زمن غير محترم، تنكرت فيه الكويت لها بعد أن بُحّ صوتها مناشدة المسؤولين السماح لها بدخول وزيارة البلد الذي رعاها واحتوى موهبتها، والالتقاء بأهلها وأصدقائها الكويتيين في بلدها الثاني، لكن لكونها عراقية فقد التصقت بها تهمة التعاون مع الاحتلال العراقي عام 1990، وتعرضت لحملة شنيعة كرست هذا المفهوم، رغم أنها كانت أول فنانة في العالم تغني للكويت يوم 2/8/1990.

تذكرت يوم الجمعة الماضي صورة رئيس الوزراء خلال استقباله مجموعة «نبيها خمس» في 22 يوليو 2006، والتي كان خالد الفضالة أحد عناصرها الفاعلين، وما جاء يومها على مدونة ساحة الصفاة التي كتب فيها المدون رشيد الخطار «وقد استمعت المجموعة لكلمات رئيس الوزراء، الذي أشاد بدورهم من منطلق الإيمان بالحرية والديمقراطية التي تنعم بها الكويت، وقد قام الشباب بإهداء رئيس الوزراء شعار الحملة متمثلاً بـ»تي شيرت» نبيها 5 بما أن «بو صباح» (أخونا الكبير كما وصف نفسه... وكما نعهده) أصبح برتقالياً يوم 17 يوليو 2006».

رباب شدت قبل 17 عاما بأغنية «حاسب الوقت» (كتبها الشاعر عبداللطيف البناي ولحنها الراحل راشد الخضر عام 1983)، إلا أنها تصلح اليوم لتلخيص حالتها مع الكويت، فهي تعاتب حبيبها الذي تغير عليها بمقطع «كانت البسمة بداية... وكانت الغربة نهاية، غيروك أهل الفضول... دنيا ما فيها أمان، وهذا آخر ما أقول... انتهى ذاك الزمان، وآه... آه... وقت وعدّى... والعمر بس هذا حده، لا أنا ولا إنته نرده... وقت وعدّى... وحاسب الوقت».

توقفت أمام هذا المقطع لأن آخر طلب لرباب كان السماح لها بالمشاركة في ليلة ذكرى راشد الخضر التي افتتح بها المجلس الوطني للثقافة مهرجان الموسيقى العالمية الشهر الماضي، وهي المناسبة التي غاب عنها نجوم كبار كويتيون اليوم، صنعهم في ذلك الزمان راشد الخضر ورفيق دربه عبداللطيف البناي، لكنهم تنكروا لهما عدا رباب، التي لم تكن مثل عبدالله الرويشد ونبيل شعيل ونوال.

أزمة خالد الفضالة لها نصف ممتلئ، فقد نبهتنا لوجود قوانين تحتاج إلى إعادة نظر، ومسألة بقائها في الأدراج لا تعني أنها غير قابلة للتطبيق، إضافة إلى أنها أعادت الروح لمدونين مؤثرين اعتزلوا التدوين، وأحيت التيار الوطني بعد أن شرخت صوفه الانقسامات، بل لحمت التحالف مع تيارات سياسية مناصرة أكثر من أي فترة سابقة في تاريخ التجمع، وأيضا فتحت المجال للبحث في منجزات الحكومات التي تعاقبت على الكويت منذ فبراير 2006.

على خالد الفضالة اليوم بدل التفكر بقسوة عقوبته أن يفخر بأنه لم ينحنِ للعارض الذي تمر به الكويت هذه الأيام، فلم يتوسل أو يساوم مواقفه بسجنه، فخصومه زادوه قوة من حيث لا يعلمون بتسهيلهم مهمته المقبلة، وجمعوا له شتات رفاق الأمس تحت مظلة التيار الوطني الذي يتولى مسؤوليته الآن، فيما لم يقم هو سوى بالامتثال للقانون.

بين خالد الفضالة ورباب قواسم مشتركة، أهمهما أنهما علامتان لمدى ضيق الأفق الذي نعيشه، وكلاهما يجسد الآن التغيير الذي طرأ على الكويت، بعد أن كانت واحة فن وثقافة وحريات إلى دولة أخرى لا نعرف هويتها اليوم، خالد الفضالة قال الجمعة الماضية «لي وطن آليت ألا أبيعه»، ورباب غنت في مقدمة مسلسل (الغرباء) «كانت مدينتنا ذهب والناس للناس» (أنتجه تلفزيون الكويت وكتبها الشاعر عبداللطيف البناي ولحنها أنور عبدالله عام 1987)، ومن المؤكد أن خصومهما يستمعون اليوم إلى أغنية «إنت بديت وإنت اتحمل» (كلمات وألحان حامد الحامد عام 1988) بما فيها من نبرة تحدٍّ خرجت من محب مجروح، فالزمن يستطيع شفاء جروح عدة إلا أن أشدها ألماً على الإطلاق جرح الوطن لأبنائه.

back to top