أزمة الكتب

نشر في 07-04-2010
آخر تحديث 07-04-2010 | 00:01
 أحمد عيسى ربما كان من قبيل المصادفة أن ينتهي الأسبوع الماضي على سجال نيابي- نيابي تخللته عبارات قاسية وبعضها خارج على المعتاد تحت قبة «عبدالله السالم»، كشفت لنا مدى تردي لغة الحوار وأسلوب المخاطبة بين النواب، وأن يتزامن ذلك مع بوادر أزمة طائفية أتت من مركز العبدلي الحدودي، ليبين لنا الحدثان مدى هشاشة المجتمع وقابليته للاشتعال في أي لحظة.

لعل مرد ما نشهده من احتقان ملحوظ، على المستويين الطائفي والسياسي، هو وجود فريقين كل منهما يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة وحده، وعلى الآخرين اتباعه، سمعاً وطاعة، حتى لا نصل إلى مرحلة الكره والإجبار، وهو ما يفتقر إلى أبسط مبادئ الديمقراطية وكذلك حرية الإنسان بالمعتقد.

مساء الجمعة الماضي وفي مركز العبدلي الحدودي تعرضت حملة شيعية لما أسماه ركابها مضايقات من بعض العاملين في المركز، والطرفان كويتيان بالمناسبة، ربما يكون الخبر لا يعدو عن كونه مجرد تعسف من طرف وتعنت من آخر، ومثله أحداث كثيرة تشهدها وزارات ومؤسسات حكومية بشكل يكاد يتكرر يومياً، لكن الخطورة فيما جرى أنه استدعى تدخل نواب بمطالبتهم وزير المالية كونه المسؤول عن الإدارة العامة للجمارك لحل الخلاف الناشب على الحدود، بينما الموضوع برمته من مسؤولية وزير الإعلام، لأن رقابة الكتب ومنعها أو إجازتها تتبع أحد قطاعات وزارته، ثم جاء اسم جهاز أمن الدولة وسط النقاش، وضاعت القصة بين ثلاث مؤسسات وطرفين، فاحتقن الجو واعتصم الزائرون بالمركز، وانتهى الحدث بالإفراج عن الكتب ودخول المعتصمين، لتبدأ بعدها حفلة زار سياسية من النوع الفاخر، عنوانها تطبيق القانون ومَن المسؤول عما حدث وتبع ذلك «عِدّة الشغل» من تصريحات وتهديدات وأسئلة نيابية.

الحدث على مستوى قيمته الإعلامية لم يشهد تفاعلاً بحد النشر لدى صحف يومية عدة إعمالا بمسؤوليتها الوطنية، بينها صحيفة «الجريدة»، فيما وجدت فيه صحف أخرى مادة دسمة للنشر، فأفرد بعضها صفحة كاملة لمتابعته، وأشارت أخرى إليه على الصفحة الأولى، لكن المفارقة كانت في تعامل صحيفتين محسوبتين على التيارين المعنيين بالموضوع وهما السُنّي والشيعي، فتناولته الأولى من منطلق أن هناك كتباً قادمة من العراق تثير أزمة، فيما رأت فيه الثانية إهانة للقادمين عبر منفذ العبدلي، وبالطبع في ثنايا الخبرين عبارات وتفاصيل مختلفة تماماً عن وصف نفس القصة ما أظهرها وكأنها خبران لا يمتان لنفس الواقعة بصلة.

النواب من جهتهم تناول كل منهم الحدث من وجهة نظره ومنطلقاته، وكلهم أجمعوا على أهمية تطبيق القانون إلا أن التعاطي معها أتى من زاويتين مختلفتين، فمنهم من ناشد وزير المالية التدخل، ليرد عليه آخر أن التدخل لن يمر دون محاسبة، ثم دخل زميل لهم على الخط وبعده آخر وهكذا دواليك حتى امتلأت الحلبة بالمصارعين الذين بدؤوا نزالاً يبدو أنه لن ينتهي قريباً.

مؤلم أن ينقسم البلد إلى نصفين بسبب تصرف غير مسؤول من موظف أو افتقار للتقدير في إحدى الجهات، أو تعاطف مع كلمة أطلقها هذا النائب أو وصف استخدمه السياسي ذاك، ومنبع الألم أننا منذ مدة ونحن نحاول رأب الصدع الذي تتسبب به بشكل متعمد بعض وسائل الإعلام التي تقتات على الصراع المجتمعي فئوياً كان أو مذهبياً، وتجعله قضية للتكسب وحشد الأنصار، لكن للأسف كما تعودنا في واقعنا الجديد، أصبح المذهب يأتي قبل الكويت، والقبيلة قبل الوطن، والفئة قبل المواطنة، دون أن يكون للعقلاء في هذا البلد أي دور، سوى التفرج على ما يحدث والاكتفاء بالصمت فيما يشتعل البلد على نار هادئة ستأتي على أخضره قبل يابسه.

back to top