من يدفع الثمن؟
بعد خروجي من جلسة المحاكمة الثالثة لسجين الرأي محمد عبدالقادر الجاسم يوم أمس الأول، وصلتني رسالة إلكترونية من منظمة العفو الدولية (أمنستي) بطلب لم يكن جديداً، وهو السفر إلى القاهرة لمراقبة محاكمة اثنين من المدافعين عن حقوق الإنسان، وهما جمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، وأحمد سيف الإسلام حمد مؤسس مركز هشام مبارك للقانون، والمدون عمرو غربية. ورغم أنني عادة ما أتجاوب مع مثل هذه الطلبات مشاركاً في مراقبة محاكمات مختلفة في أنحاء العالم، إلا أنها هذه المرة جاءت ومعها غصة فلم يَدُر بخلدي أننا سندخل في ذات النفق المظلم بهذه الصورة. بالطبع اعتذرت للأمنستي لسبب رئيسي، وهو أنه لابد من التعامل والتركيز على حالة سجين الرأي عندنا بالكويت، وهي حالة نادرة شاذة لم نعتد عليها، ولابد أن تنتهي كممارسة وكنهج، وألا تتكرر بأي صورة من الصور.
في الجلسة ذاتها، التي شابتها مفارقات غريبة، كان من ضمن الحضور وفدان دوليان جاءا وحضرا لمراقبة المحاكمة عندنا في الكويت لا يعرفان مَن هو المتهم ولا تعنيهما شخصيته، أو ما قاله، ولكنهما جاءا للتأكد من أن إجراءات العدالة تسير حسب الدستور الكويتي وحسب المواثيق الدولية التي انضمت إليها الكويت، وأبرزها في هذا المجال العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ومن المقرر أن تصل وفود أخرى طالما استمر احتجاز الجاسم في قضية رأي عبَّر عنها بصورة سلمية. التداعي الدولي في قضية الجاسم لافت للنظر، فقد صدر حتى الآن أكثر من 23 تصريحاً وبياناً من أبرز المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في هذا المجال، بل إن بعضها وأبرزها على المستوى الدولي جاء من منظمَتي العفو الدولية ومراقبة حقوق الإنسان، فقد أصدر كل منهما ما يزيد على أربعة بيانات، ومن المقرر أن تقوم الأمنستي بإصدار بيان جديد اليوم حول ملابسات المحاكمة التي جرت يوم الاثنين. بل إن عدداً من تلك المنظمات قد أرسل رسائل إلى الجهات العليا في الدولة مطالباً ومناشداً الإفراج عن الجاسم ومحاكمته محاكمة عادلة. أقول قولي هذا ليس شماتة في أحد، ولكن حزناً على ما آلت إليه الأمور في بلدنا الذي اعتدنا فيه على حريةَ التعبير دون تعسف، ويحق في ذلك الإطار اللجوء إلى القضاء من خلال قانون المطبوعات، لا من خلال قانون أمن الدولة رقم 31 لسنة 1970، ودون أن يتم حبس المتهم مدة ستدخل في قرابة الشهرين في 28 يونيو، وهو موعد جلسة المحاكمة الرابع.إن واقع الأمر، ومن خلال التداول الدولي الملحوظ، أن الذي تعرض للمساس والتشويه هو سمعة البلاد في الخارج. وبالطبع فإننا كبلد صغير منكشف بشدة على المجتمع الدولي ونستند إلى المنظومة الدولية في حماية أمننا، فإن مثل تلك المواقف ستضعف من مكانة الكويت الدولية، والتي هي جزء لا يتجزأ من مكونات أمن الدولة؛ فمن الذي يدفع الثمن يا ترى؟ ومن الذي سيتحمل هذه المسؤولية؟ كان موقفنا أمام مجلس حقوق الإنسان في مايو الماضي حرجاً بسبب التلكؤ والتردد والعناد في حل ملفات ظاهرة للعيان وقابلة للحل كملف البدون والعمالة والاتجار بالبشر وعدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية وغيرها. وأضفنا إليها ملفاً كان يقال عنه إنه ملف مشرق وهو حرية التعبير، أما الآن فقد انضمت حرية التعبير إلى الملفات الأخرى ولا حول ولا قوة إلا بالله.