مرت الذكرى السابعة والأربعون على صدور دستور دولة الكويت في ظل أجواء سياسية ساخنة وأوضاع مضطربة وحالة شعبية محتقنة، ولو عدنا بالذاكرة إلى يوم 11 نوفمبر 1962 واسترجعنا ذلك المنعطف التاريخي الأهم الذي حدد هوية وطننا واختار الديمقراطية مصيراً لنا، لخاطبنا أعضاء المجلس التأسيسي بعبارات من الألم والحسرة، ولعل أخطرها على الإطلاق ما شهد به أحد رموز الديمقراطية وأعمدة الدستور الدكتور أحمد الخطيب قبل أيام عندما قال إن الأسرة الحاكمة لم تؤمن يوماً بهذا الدستور!

Ad

والدكتور الخطيب أمد الله في عمره يكاد يكون الشاهد الوحيد على التاريخ الممتد بين بدايات كتابة الدستور وحضور مناقشة جلساته ويوم إقراره والتطبيقات السياسية له على مدى نصف قرن من الزمان، واستنتاجه فيما يخص الإيمان بالديمقراطية والإقرار بالدستور كمرجعية دولة بالتأكيد مبني على وقائع وتجارب ومحطات اختبار حقيقية، وهذا ما أكده أيضاً الوزير السابق بدر الحميضي عندما نقل عن أحد الأقطاب السياسية الندم على إقرار دستور 1962!

واليوم نقول لأعضاء المجلس التأسيسي قد لا تكون الأسرة وحدها نادمة على خيار الديمقراطية وحرمة الدستور رغم كثرة التصريحات الرسمية وفي مختلف المناسبات على عكس ذلك، بل هناك الكثير من الشخصيات والتيارات والعوائل التي طالما تغنت بالديمقراطية وكافحت من أجلها على مدى سنوات طويلة بدأت مع بدايات القرن العشرين باتت تعض أصابع الندم على ذلك الإنجاز التاريخي.

ونقول لأعضاء مجلس إعداد دستور 1962 إنه، وبعد ذلك التعطش للديمقراطية، ستجدون من أبنائكم وأحفادكم من يضربون قواعد هذه الوثيقة المصيرية ويسعون إلى هدم أركان الديمقراطية مسخرين بذلك الإعلام والكتّاب والدواوين وحتى الضغط على رموز أسرة الحكم!

ونقول لأعضاء المجلس الذي انتخبه الشعب الكويتي لكتابة الدستور بأن هذا العهد المدون بـ183 مادة لم يعد مقبولاً كمرجعية متكاملة وبنية مؤسسية واحدة، بل تحول إلى بقالة ننتقي منها المواد التي تناسب مزاجنا السياسي اليوم ونبرر من خلالها مصالحنا الشخصية، فضاعت هيبته وأصبح بضاعة تباع وتشترى.

ونقول لأولئك الرجال إن الدستور الذي كان فتحاً للديمقراطية وبوابة من بوابات التغيير العاصف في المنطقة العربية برمتها، قد نزف من جراحات التجميد والتعطيل ورُفع كشعار للخوف والترهيب، ولكنه صمد واستنفر الشعب الكويتي بكامل أطيافه لنصرته واستعادة مجده، ولم يثنهم عن ذلك البطش والملاحقة والسجون والاعتقالات، ولكن بدأت هذه الفزعة بالخمول والأفول وصار ضرب الدستور وتفريغ محتواه من الداخل أسهل ما يمكن بالإغراءات المالية والمناصب العليا، بل حتى بالمجان أحياناً مقابل ضرب الآخرين وإلغاء انتمائهم والحسد من تمكنهم من تطبيقه وممارسته!

ونقول لأعضاء المجلس التأسيسي إن دستوركم رغم مثاليته ونجوميته في عام 1962، فإن القائمين على أداء دوره قد أخروا مشروعه الخاص بتعزيز الوحدة الوطنية وإذابتها في صلبه، وعطلوا مشروعية تنفيذه لمّا آل الأمر إلى أبناء الفقراء والعوام من شعبه، بل وقفوا ضده لمّا خسروا مواقعهم السياسية عندما غيرتها صناديق الاقتراع.

ونقول لكل رجل من رجالات الكويت في المجلس التأسيسي نعم جزاكم الله خيراً عن الكويت وأهلها وأجيالها اللاحقة، فقد أحسنتم صنعاً ووفقتم عملاً وأعددتم دستوراً حافلاً بالمكتسبات الشعبية، ولكنكم خسرتم رهاناً كبيراً، إذ اعتقدتم بأن دستور 1962 قد وضعتموه لأهل الكويت في كل زمان ومكان!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة