بالله عليكم ما قيمة «غزوة الحجاب» لأوروبا وانتصاراتها سوى أن نُشبِع عواطفنا كما تعودنا من المعارك الشكلية، ونزهو فخرا بفرض قطعة قماش على رأس سيدة في الشانزليزيه أو ميدان الطرف الأغر في لندن، بينما كل رؤوسنا لاتنتج شيئا يغيير أحوالنا المتردية، ولا تقدم جديداً إلى العالم؟!

Ad

تصدر الصحف العربية والعالمية الأسبوع الماضي خبر وصورة أداء القسم الدستوري لأول عضوة محجبة في البرلمان البلجيكي، بينما كانت تتوالى بيانات الشجب والتنديد في العالم الإسلامي على رفض الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انتشار ظاهرة البرقع أو النقاب في بلاده، كونها رمزا على حد وصفه لاستعباد المرأة.

إذن فالمعركة محتدمة في أوروبا على نقل الرموز الإسلامية إلى القارة العجوز القريبة من العالم الإسلامي، والتي تراكمت فيها الهجرة الإسلامية على مدى العقود الخمسة الماضية في معظم الدول الرئيسة للقارة.

المسلمون في معركتهم تلك يحققون انتصارات متتالية لفرض زيهم، وأحيانا مفاهيمهم في إدارة شؤون حياتهم الخاصة، ولكن بعد تلك الإنجازات وصولاتها المتعددة علينا أن نتساءل: ماذا بعد أن أدخلنا الحجاب إلى مدارسهم وجامعاتهم ومؤسساتهم وبرلماناتهم؟ وهل لدينا مشروع حضاري إنساني نقدمه إلى أوروبا والعالم بعد الحجاب والنقاب والجلباب القصير واللحية الطويلة؟ الواقع يقول إننا لا نملك أي مشروع ثقافي أو سياسي أو علمي خلاف الوعظ والروحانيات، بينما رموز الحضارة في الملبس والسلوك كانت مصحوبة بمشروع حضاري.

فعندما أتى نابليون بونابرت إلى مصر في نهاية القرن الثامن عشر ليستبدل «القفطان والعمة» بـ«البنطلون» والقميص، كان يصطحب معه 146 عالما من أهم علماء فرنسا في العلوم والآداب والفنون، كما أحضر معهم مطبعتين واحدة فرنسية والأخرى عربية، وكذلك مترجمين، وكانت المحصلة هي كتاب «وصف مصر» الذي ذكر فيه باستفاضة كل ما يتعلق بمصر من تاريخ وجغرافيا وتضاريس، مزوداً بالرسوم البيانية الموضحة في عدة مجلدات كبيرة.

كما عرف المصريون بعض الأنظمة الإدارية عن الفرنسيين، ومن بينها سجلات المواليد والوفيات، وكذلك نظام المحاكمات الفرنسي، بالإضافة إلى إنجاز حضاري كبير تمثل في فك رموز اللغة المصرية القديمة التي كانت غامضة بالنسبة إلى العالم على يد العالم الفرنسي شامبليون، بعد اكتشاف حجر رشيد، وعلى إثر هذه الحملة وبعدها انطلقت أكبر عملية تحديث في مصر بعد عدة سنوات على يد الوالي محمد علي باشا.

مطابع وعلوم ونظم إدارية حديثة هو ما صاحب انتقال الشرق العربي الإسلامي من زيه التقليدي إلى الزي الغربي، وكذلك حدث ذلك لاحقاً عندما انتقلت رموز حضارة الكاوبوي الأميركي بالجينز والكوكا كولا والهامبرغر التي صحبتها تكنولوجيا التلفزيون وطائرات الجامبو والكمبيوتر، وكل ما نعيشه من وسائل العصر الحديث من تكنولوجيا وفكر حقوق الإنسان والحريات، فماذا لدينا نقدمه إلى العالم مع الحجاب والنقاب وإطلاق اللحى سوى خطاب «ماضوي» نتغنى فيه بشعر التفاخر وعلماء ما قبل القرون الوسطى، بينما نعيش واقعا علميا مترديا وحياة عامة خاملة وجامدة ونظما سياسية متحجرة ومستبدة؟

فبالله عليكم ما قيمة «غزوة الحجاب» لأوروبا وانتصاراتها سوى أن نُشبِع عواطفنا كما تعودنا من المعارك الشكلية، ونزهو فخرا بفرض قطعة قماش على رأس سيدة في الشانزليزيه أو ميدان الطرف الأغر في لندن، بينما كل رؤوسنا لاتنتج شيئا يغيير أحوالنا المتردية، ولا تقدم جديداً إلى العالم؟!