إن كان هذا ليس مجرد تسريبات هدفها جس النبض فقط فإن ما قيل عن أن الاتحاد الأوروبي لديه توجه جاد، متفقة عليه كل دولة، بالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة، يعتبر خطوة تاريخية هامة تشكل "تكفيراً" سياسياً عمّا اقترفه الغرب كله وليست بريطانيا وحدها بترجمة وعد بلفور المشؤوم فعلاً إلى إنشاء هذه الدولة المتمردة على العالم كله.

Ad

لا يجوز أن تكون هناك دولة، وخاصة في هذه المرحلة من التاريخ، خارجة وعلى هذا النحو على إرادة المجتمع الدولي، علماً بأن هذه الدولة كانت أُنشئت في تلك اللحظة التاريخية المريضة بقرار دولي، فهذه بادرة ستكون مكلفة جداً في عالم العولمة والمصالح الكونية المتداخلة، وإلا فما معنى أن يكون كل هذا التحشيد ضد إيران لأنها تحاول التعاطي مع قدراتها النووية خارج دائرة إشراف منظمة الطاقة الدولية.

حتى الآن إسرائيل ترفض أن تعترف اعترافاً كاملاً بأنها دولة تحتل الضفة الغربية التي هي أرض فلسطينية، وبما في ذلك القدس الشرقية وفقاً لكل القرارات الدولية بدءاً بالقرارين رقمي 242 و338، وانتهاءً بالقرارات اللاحقة، ولهذا فإن الدول الأوروبية سوف تسقط سقوطاً أخلاقياً ذريعاً إن لم تقدم على هذه الخطوة التي يجري الحديث عنها وتضع الإسرائيليين أمام الأمر الواقع.

كانت هناك بالنسبة إلى موقف أوروبا من الدولة الإسرائيلية عقدة المحارق و"الهولوكوست"، وما فعله النظام الألماني النازي باليهود خلال الحرب العالمية الثانية، لكن وبعد كل هذه الأعوام وبعد أن تحولت إسرائيل من خلال تصرفات يمينها المتطرف ضد الفلسطينيين إلى "نازية" جديدة فإنه على الأوروبيين أن ينسجموا مع ضمائرهم ومع مصالحهم ومع القيم التي يتحدثون عنها، وأن يقْدِموا فعلاً على خطوة الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة.

هناك، بالإضافة إلى القرارات الدولية، التي ترفض الموافقة على احتلال أراضي الغير بالقوة، قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1515 الذي يعترف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من (يونيو) عام 1967، ولذلك فإن أوروبا عندما تقْدم على هذه الخطوة فعلاً وتعترف بالقدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة فإنها تحترم نفسها من خلال احترامها لإرادة المجتمع الدولي الذي هي جزء أساسي منه.

إن هذا بالنسبة إلى أوروبا، التي هي المسؤولة عن إنشاء هذه الدولة الإسرائيلية المستكبرة والمتمردة على العالم كله، والتي هي المسؤولة عن عذابات ومآسي الشعب الفلسطيني كل هذه السنوات الطويلة، أما بالنسبة إلى العرب فإن عليهم أن يستيقظوا من غفوتهم وأن يفعلوا في هذا الاتجاه ما هو أكثر من دبلوماسية جامعتهم "العربية" الكسيحة التي تغرق بدورها في "الروتين" الممل، والتي انتهت إلى ما يشبه الجثة الهامدة التي تزكم رائحتها الأنوف.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة