لقد غيّر الحزب زعيمه، لكن هل يستطيع هذا الزعيم تغيير الحزب؟ ذلك هو السؤال الذي يشغل المثقفين في تركيا عقب انتخاب كمال كيليجداروغلو، موظف مدني سابق، زعيماً لأكبر حزب علماني معارض، حزب الشعب الجمهوري، بعد فوزه بأغلبية ساحقة من الأصوات في أحد مؤتمرات الحزب في 22 مايو.      

Ad

ساهم بروز كيليجداروغلو المفاجئ في تغيير المشهد السياسي في تركيا وجدد أمّل ملايين الناخبين العلمانيين الذين يتوقون منذ زمن طويل إلى بديل موثوق عن حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يحكم وحده منذ عام 2002. هذا وقد أدت سيطرة هذا الأخير المطلقة على ما يبدو إلى بعض المزاعم المبالغ فيها التي تفيد بأنه يتجه نحو الدكتاتورية.

ظل حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك في عام 1932 بعيداً عن الحكم لنحو 15 عاماً، وذلك بشكل رئيس بسبب زعيمه السابق، دينيز بايكال، الذي أعاق دوماً الإصلاحات التي قادها رئيس الوزراء التركي الكاريزماتي في حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان. فبدا بايكال، من المؤيدين بشدة للجنرالات المتجسسين في تركيا، متشبثاً بمنصبه إلى أن سرّب أحد المواقع الإلكترونية الإسلامية شريطاً صُوّر خلسةً يظهره في وضع فاضح على ما يُفترض مع مساعدته السابقة. لكن مصيره تحدد حين قرر أحد كبار القادة لديه، أوندير ساف، دعم كيليجداروغلو.    

فهل يتمكّن كيليجداروغلو المعتدل من إدارة دفة حزبه بعيداً عن النخبوية التي بات يمثّلها؟ ذلك مستبعد بالنظر إلى خطاب النصر الذي ألقاه والذي يزخر بالأفكار المبتذلة الاشتراكية الأسلوب. لم يأت كيليجداروغلو على ذكر المشكلة الكردية، فبالرغم من أنه كردي، لم يستخدم حتى هذه الكلمة. كذلك لم يتطرق إلى سياسة التمييز التي تُمارس ضد الشريحة الكبيرة من العلويين في البلاد التي تعتمد تفسيراً متحرراً للإسلام الشيعي تنفرد به تركيا، مع العلم أنه علوي، وفي ما يخص السياسة الخارجية، لم يقل سوى أنه على تركيا إيلاء الهند والصين المزيد من الاهتمام.   

من جهة أخرى، لا يهتم الناخبون الأتراك كثيراً بأجندة الليبراليين أو بالعالم الخارجي، لذلك يبدو كيليجداروغلو عازماً، من خلال وعده بالمساواة في الدخل والمزيد من فرص العمل، على انتزاع دور المدافع عن المظلومين من حزب العدالة والتنمية، سالباً منها قاعدتها التقليدية في مدن الصفيح المحيطة بالمدن الكبرى. وما يستحق عليه الفضل أنه وعد أيضاً بخفض عتبة العشرة من الأصوات للمقاعد البرلمانية، وهو عدد مخصص في الأصل لإبعاد الأحزاب الكردية.

مع ذلك، تتمثل ورقة كيليجداروغلو الأقوى في سجلّه النظيف. فقد استقطب الاهتمام العام حين كشف فضائح فساد عدّة مرتبطة بحزب العدالة والتنمية خلال ترشّحه لمنصب عمدة إسطنبول في عام 2009. من جهتهم، يدّعي المسؤولون في حزب الشعب الجمهوري بأنهم يحتفظون بالمزيد من الملفات حول مساعدين من حزب العدالة والتنمية عملوا لدى أردوغان حين كان عمدة إسطنبول في منتصف التسعينيات، وهكذا قد يستخدمونها في الانتخابات العامة المُزمع إجراؤها العام المقبل.

وما قد يصب في صالحه أيضاً تعجرف أردوغان، فقد وصف هذا الأخير حزب الشعب الجمهوري هذا الأسبوع بـ"صفيحة" اختفى بريقها "الذهبي"، ومس على ما يبدو بديانة كيليجداروغلو. بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، قد يستحصل حزب الشعب الجمهوري بزعامة كيليجداروغلو على 32% من الأصوات، نسبة كافية لحرمان حزب العدالة والتنمية من ولاية ثالثة لحكومة يديرها حزب واحد.