تجربة الجامعة العربية المفتوحة
التوجه العالمي في المجال التعليمي على مستوى التعليم العالي هو لإتاحة فرصة التعليم لأكبر عدد من الناس ممن لا تسمح لهم ظروفهم بالالتحاق بالجامعات التقليدية، ويتمثل هذا التوجه في التوسع في نموذج الجامعات المفتوحة التي تستعين بالتكنولوجيا الحديثة في الاتصالات لتقديم مقرراتها الدراسية، وهناك إقبال كبير في دول العالم المتقدمة على هذا النوع من الجامعات، فالجامعة البريطانية المفتوحة على سبيل المثال يوجد فيها أكثر من مليون ونصف المليون طالب. من هذا المنطلق فإن فكرة إنشاء جامعة مفتوحة في الوطن العربي، وهي الفكرة التي تبناها الأمير طلال بن عبدالعزيز هي فكرة رائدة، فتحت الأبواب لمئات الآلاف من الشباب لإكمال تعليمهم الدراسي، وما يزيد من أهمية مشروع الأمير طلال بتبني إنشاء جامعة عربية مفتوحة هو انخفاض الرسوم الدراسية المطلوبة من الطلاب، وهو الأمر الذي فتح الباب أمام ذوي الدخول الضعيفة لإكمال دراستهم الجامعية. كما هي الحال في أي مشروع بدأت مسيرة الجامعة العربية المفتوحة بداية متواضعة، وأنا أتحدث هنا عن فرع الجامعة في الكويت، فالمبنى صغير أشبه بقفص حمام، وهو غير مهيأ لاستيعاب أعداد كبيرة من الطلاب يزيد عددهم على خمسة آلاف طالب، وأعضاء هيئة التدريس لم يكونوا بالمستوى المطلوب، بل كانوا من نوعية "ما تيسر منه"، مع تفشي ظاهرة تسرب الامتحانات، حيث كانت الامتحانات متوافرة للبيع في مكاتب الطباعة في حولي، مع وجود مشاكل فنية وإدارية كثيرة، مما أعطى انطباعاً سيئاً عن الجامعة لدى الكثير من الناس. بعد تجربة متعثرة في البداية يبدو أن الأمور بدأت تتحسن بشكل مضطرد في الجامعة المفتوحة وأصبح الطلبة يحسون بأنهم في جامعة وليس في مدرسة، فقد تمت المباشرة بإنشاء مبنى جديد للجامعة كما هي حال بقية الجامعات الخاصة، كما تحسن مستوى أعضاء هيئة التدريس نوعاً ما، وأصبحت الجامعة تقدم خدمات متعددة للطلبة، مع توسع في تحمل الرسوم الدراسية للطلبة المحتاجين. هذه الأمور مجتمعة غيرت من صورة الجامعة المفتوحة وأصبح الكثير من الطلاب ذوي النسب العالية يقبلون على الدراسة فيها. برغم هذه الإيجابيات التي تحسب للجامعة العربية المفتوحة فإنه هناك مجموعة سلبيات ينبغي للقائمين على المشروع وعلى رأسهم الأمير طلال الالتفات إليها ومعالجتها، ومن أبرز هذه السلبيات وجود مراكز قوى وشللية تتحكم بعمادة الجامعة التي مقرها الكويت، وبسبب هذه الشللية تم الاستغناء عن خدمات العديد من الكويتيين، وهو محور السؤال الذي تقدم به النائب يوسف زلزلة لوزيرة التربية.
السلبية الثانية وهي مرتبطة أيضاً بالشللية والمصالح، وتتمثل بصراع ومحاولة الاستحواذ على الموارد المالية للجامعة من قبل عمادة الجامعة بدلاً من صرف هذه الموارد لخدمة الطلاب، وتحسين خدمات التعليم في الفروع. هذا الصراع هو الذي يجعل العلاقة متوترة بصورة دائمة بين عمادة الجامعة وبعض فروعها. السلبية الثالثة هي في وجود تعارض في المصالح لبعض مسؤولي العمادة، من خلال قيامهم بتأليف وترجمة كتب للمقررات الدراسية في الجامعة، وهو الأمر الذي يدر عليهم مبالغ مالية طائلة. مشروع الجامعة العربية المفتوحة مشروع رائد، ولذلك يجب تنقيته من الشوائب الموجودة فيه حتى يصبح نموذجا ناجحا لتجربة التعليم المفتوح في العالم العربي بدلاً من أن يضاف إلى سلسلة تجارب الفشل والخيبة.