على هامش مشاركتها في فعاليات منتدى الولايات المتحدة والعالم الإسلامي الذي انعقد في الدوحة أخيراً برعاية الحكومة القطرية ومعهد بروكنز، التقت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون طلاب جامعة كارنيغي ميلون وطالباتها في الدوحة، وألقت كلمة وضحت فيها سياسة بلادها تجاه إيران، وكان مما جاء في حديثها: أن بلادها تخشى انجراف إيران نحو نظام عسكري دكتاتوري مع تزايد سيطرة الحرس الثوري على قطاعات واسعة من المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية الإيرانية، وترى الإدارة الأميركية أن الحكومة في إيران والمرشد الأعلى والرئيس والبرلمان يجري التصدي لهم، كما أشارت إلى أن أميركا تعمل على صياغة مجموعة جديدة من عقوبات أشد تحت رعاية الأمم المتحدة لاستهداف الحرس الثوري المسيطر على البرنامج النووي الإيراني، والذي يتعمد تهميش القيادات الدينية والسياسية بالبلاد على نحو متزايد.
وبعد فتح باب النقاش، قامت إحدى الطالبات وتساءلت: لماذا يحق لأميركا أن تمنع إيران من الحصول على السلاح النووي؟ وأضافت: إن إيران حرة في أن تتملك النووي، وأعقبتها طالبة أخرى معلقة على حديث كلينتون وقالت: كلينتون تقول إن الدول المجاورة لإيران تشعر بالتهديد إلا أنني أعتقد أن أميركا هي التي تشعر بالتهديد وتريد أن تجرنا إلى نزاع. مفاجأة هذا الحدث أو بالأحرى مفارقته تكمن في أن الدول الخليجية قلقة من الطموحات الإيرانية من ناحية، كما أنها قلقة من الهيمنة التي تسعى إليها إيران بحصولها على السلاح النووي، ومن نفوذها الحالي في المنطقة، متمثلاً في دعمها للجماعات الانفصالية من جهة أخرى، وهو ما عبرت عنه كلينتون في حديث آخر حينما قالت «كل من أتحدث إليه في الخليج بمن فيهم القادة يعربون عن قلقهم العميق حول نوايا إيران، ورغبتهم في الحصول على السلاح نفسه ليحموا شعوبهم»، بينما هؤلاء الطلبة الذين يدرسون في جامعة أميركية راقية، ويعيشون في دولة خليجية على مرأى البصر والسمع من إيران لا يرون في سياسات الحكومة الإيرانية وإنفاقها الهائل على تكديس السلاح، ومناورات استعراض القوة، وسباق التسلح النووي، وإطلاق الصواريخ البعيدة المدى، والسعي الحثيث إلى أن تصبح دولة نووية، ما يستدعي القلق أو يمس بأمن الخليج أو يهدد مستقبله! بل يتطوع بعضهم للدفاع عن حق إيران في أن تكون دولة نووية. ما دلالة ذلك وما معناه؟ المعنى الواضح من هذا الحدث أن إيران استطاعت تسويق دعايتها السياسية بين شباب المنطقة، ونجحت في استقطاب بعضهم إلى صفها وخندقها، ومع ذلك أرى أن هؤلاء الشباب معذورون، إذ لا يدركون أبعاد المشروع السياسي الإيراني التوسعي في المنطقة ولا النتائج والتداعيات المترتبة على سباق التسلح النووي على الخليج وعلى إيران بوجه خاص. هؤلاء الشباب ضحايا وعي مزيف روجه «لوبي» عربي ضخم مساند لإيران ولبرنامجها النووي- جهلاً أو توهماً أنه سلاح مواز للسلاح الإسرائيلي- هذا اللوبي مكون من كتاب وسياسيين وإعلاميين وجماعات الإسلام السياسي "سنة وشيعة" وصحف وفضائيات ومواقع إلكترونية دأبت على القيام بعمليات تزييف لوعي الجماهير عبر ترسيخ قناعتين:1- ترويج أن كل ما يقال عن خطورة البرنامج النووي الإيراني على الخليج والمنطقة العربية، مجرد «دعاية أميركية».2- تأكيد سلمية البرنامج الإيراني وأنه مخصص لإنتاج الطاقة الكهربائية الرخيصة فقط.هذه الشبكة الإعلامية المتعاطفة مع إيران أنتجت عقليات غير قادرة على موازنة الأولويات، ولا ترى غير الخطر الإسرائيلي خطراً مهدداً للمنطقة وإلا لو تساءلوا- وفق أبسط منطق- هل كل هذا الإنفاق الهائل على البرنامج النووي، وكل هذه المنشآت والمفاعلات في أعماق الأرض، وكل هذا الصراع مع المجتمع الدولي وتعريض إيران وشعبها للعقوبات والحصار والمخاطر والعزلة، كل هذه الأمور من أجل الطاقة الكهربائية الرخيصة؟! من يصدق هذا؟! عليك أن تلغي عقلك وتبلغ من الغفلة والسذاجة مداهما لتصدق أن البرنامج الإيراني من أجل إنتاج الكهرباء فقط!الطاقة النووية السلمية لها برنامجها المعروف ولها طرقها المشروعة دولياً كما سلكت دول الخليج التي تبنت أخيراً مشروع الطاقة النووية السلمية، وأتت البيوت من أبوابها، ولكن إيران لا تأتي البيوت من أبوابها الشرعية بل تفضل أن تتسلل من ظهورها دائماً سواءً في مشروعها النووي أو في مشاريعها الممتدة في المنطقة العربية، ممثلة في دعم وتمويل الجماعات المسلحة الخارجة على أنظمتها الوطنية. يقولون إن المرشد الأعلى قال «إن معتقداتنا الدينية تمنعنا من استخدام السلاح النووي» كمستند لسلمية البرنامج الإيراني، ومع احترامنا للمرشد الأعلى، يقول المثل المصري «أسمع كلامك أصدقك وأشوف أفعالك أستعجب»، صحيح أن المعتقدات الدينية حرمت استخدام النووي لكنها لم تحرم تملكه، ونحن على يقين أن إيران لن تستخدم النووي في حالة الحصول عليه، لا ضد إسرائيل ولا ضدنا، لكن الخطورة كل الخطورة في توظيف تملك هذا السلاح لغرض الهيمنة على الخليج وفرض الإملاءات علينا، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الخشية مما سيترتب على ذلك من دفع دول المنطقة إلى سباق التسلح النووي لأنه لا أمان ولا ضمان ولا توازن إلا بسلاح نووي مقابل سلاح نووي، وقد أشارت كلينتون إلى رغبة دول المنطقة في الحصول على السلاح نفسه لحماية شعوبها. البرنامج النووي الإيراني ليس مصدر تهديد للخليج فحسب، بل للأمن القومي العربي- بعد إسرائيل الخطر الأكبر بالطبع- ومن لا يبصر ذلك فعليه أن ينزع الغشاوه عن عينيه ويقلق، فقد أعربت الوكالة الذرية أخيراً عن قلقها من احتمال تطوير إيران «رأساً نووياً»، وعلى العموم فقد أصبح الشعار الموارب «خطر إيران على الخليج دعاية أميركية» في ذمة التاريخ بعد أن ولى «بوش»، واليوم بمجيء «أوباما» المسالم، وقد انفتح على إيران وتغزل بحضارتها، وتودد إلى مرشدها، وبعث بخطابين إليه، فلم يرد عليهما ومدّ يد المسالمة وقدم سلة الحوافز المغرية وطمأنه النظام بأنه لا يستهدفهم، كل ذلك من أجل أن يغيرهم وأن يكسبهم فلم يفلح، بل توارى الشعار القديم لمصلحة الشعار الجديد، الصريح والمباشر، القائل: لماذا لا يكون من حق إيران أن تصبح دولة نووية، أسوة بإسرائيل والهند وباكستان؟!هناك في الساحة الخليجية، اليوم، كتّاب خليجيون يدافعون عن حق إيران في تملك النووي، وعندنا مفكر مصري قضى عمراً في الدفاع عن الحريات لكنه تحول أخيراً ليصبح مسانداً لإيران النووية، وهناك في الساحة الغربية والأميركية، دعاة التعايش مع القنبلة الإيرانية، والذين شقوا طريقهم إلى الساحة الدولية أخيراً، ومنهم «باترك سيل» الذي كتب مقالاً يؤيد فيه حق إيران في تملك النووي، ويبرر ذلك بأن القنبلة الإيرانية ستساهم في فرض الاستقرار في المنطقة، وتلجم إسرائيل عن عدوانها على جيرانها، بل قد تشجعها على إبرام صفقة سلام معهم، وهو منطق- كما يقول عزيز الحاج في إيلاف– له أتباع كثيرون في العالمين الإسلامي والعربي. ويضيف: لكن الأخطر أن تأخذ الإدارة الأميركية بنفس فكرة التعايش الكارثي هذه، في تصوري أن الإدارة الأميركية وصلت إلى طرق مسدودة، فالحرب مستبعدة لأن أميركا في أضعف حالاتها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وإذا كان بوش المحارب لم يفعلها فلا نتوقعها من خلفه المسالم، كما أن دول المنطقة ترفض الحل العسكري لتضرر مصالحها، أما العقوبات الاقتصادية فلن تثني إيران عن المضي في مشروعها، وبخاصة أن أميركا اليوم عاجزة عن تحقيق إجماع دولي بسبب موقف الصين التي ترى في العقوبات إضراراً بمصالحها المترامية في إيران، إذ هي تستورد 11% من احتياجاتها النفطية منها. وكان من ضمن أهداف جولة كلينتون الخليجية طمأنة الصين أن الخليج سيفي باحتياجاتها النفطية في حال فرض العقوبات، لكن أنى للصين أن توافق لأن مصالحها في إيران أبعد من النفط، ويبقى الخوف من مغامرة إسرائيلية تقلب كل المعادلات القائمة وتخلط الأوراق، ولكن الدول الغربية وأميركا تستطيع كبح جماح إسرائيل ومنعها من المغامرة دون الرجوع إليها، وقد تطلب ضمانات منها. وهكذا ستمضي إيران في طريقها لتصبح دولة نووية- شئنا أم أبينا- وعلينا أن نهيئ أنفسنا للتعايش معها ولا نملك إلا الدعاء إلى العلي القدير أن يحفظ الخليج من أخطار النووي. لقد خيرتنا كلينتون بين 3 خيارات: الخضوع للتهديد الإيراني أو السعي إلى بناء قدراتنا النووية، أو التحالف مع الولايات المتحدة للدفاع عنا، ويبدو أنه لا مفر من الخيار الأخير وبالله العون.*كاتب قطري
مقالات
هل علينا التعايش مع القنبلة الإيرانية؟!
22-02-2010