آمال: غياب بعذر


نشر في 30-10-2009
آخر تحديث 30-10-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي بعد نحو سنة من الكتابة المتواصلة، بدون توقف، أشعر بقواي تخور، أو على وشك «الخَوَران» الشديد، وأسمع القلم يلهث، وبالكاد تخرج الكلمات من فمه: «إذا كان حبيبك عسل... إلخ»، وأرى عقلي يغلق عينيه لشدة النعاس. لذا أستأذنكم وإدارة التحرير بالتوقف مدة أسبوعين على قارعة الطريق، ألتقط فيها ما وقع من أنفاسي على الأرض، وأعيد فيها شحن بطارياتي... وفي الوقت الذي يسن فيه القوم أقلامهم مع عودة البرلمان، ها أنذا أعيد قلمي إلى جرابه، وأمشي في الطريق المعاكس بحثاً عن بئر ماء.

وآه ما أجمل الصحافة وما ألذّها غالباً، وما أقساها أحياناً قليلة، على أن أكثر ما أفرحني هو هؤلاء الشبان الكتّاب الذين تشرفت بإدخالهم سوق الصحافة، وهم نحو تسعة أو أكثر، لا أعرف منهم إلا واحداً، والبقية لو مروا من أمامي اليوم لما أوقفتهم عن وجهتهم، فحدود معرفتي بهم كانت ولاتزال عبر الإيميل أو الفاكس. قرأت مقالاتهم، فانتقيت الأفضل من وجهة نظري، وخاطبت الأساتذة ملاك الصحف ورؤساء التحرير، جاسم بودي مالك جريدة الراي، وعبدالحميد الدعاس رئيس تحرير جريدة عالم اليوم، وسعود السبيعي رئيس تحرير جريدة الرؤية، فقبلوهم كلهم مشكورين. ولم أطلب من غيرهم ضمّ أحد آخر. وأزعم أن هؤلاء الشبان والشابات سيضيفون جمالاً إلى بستان الصحافة بعد أن تتفتح أزهارهم.

وأكثر ما يحرجك أن يلجأ إليك شاب يبدو متحمساً للكتابة، فتطلب منه «عيّنات»، فتصدمك ضحالة قلمه، رغم عمق فكره، فتقع في حيص بيص، وتستعين بكل ما لديك من لباقة لتعتذر له عن عدم قدرتك على مساعدته. موقف محرج.

ثم زاد الماء على الطحين، وأغرق السيل القرى، وهبت عواصف الراغبين في الكتابة، وامتلأ مكتبي بمقالات الشبان، فأغلقت الباب وقفلته ورميت المفتاح. وإن كنت لاأزال أتذكر سؤال أحدهم: بِمَ تنصحني؟، فأجبته: لا ينصح إلا المخضرمون، وأنا ماكينتي لاتزال تحت التمرين، لكنني سأقول لك ما أطبقه على نفسي... أولاً، أنا لا أضع اسم أي شخصية في عنوان المقالة إلا نادراً، والآن توقفت عن ذلك تماماً، لأنني أشعر أن الكاتب الذي يستخدم هذا الأسلوب قزمٌ يريد أن يعلو على أكتاف الآخرين، وضعيفٌ لا يثق بنفسه. ثانياً، مهما كانت خصوماتك مع الآخرين، فلا تدخل في مسائل الدناءة والخسة، كأن تتحدث عن زوجة خصمك أو عن عشيقته أو ما شابه، حتى لو سلك هو هذا الطريق. اضرب خصومك بالخنجر إذا أردت، وبالمدفع إذا اشتهيت، لكن لا تدخل غرف نومهم. ثالثاً، ستتلقى، مستقبلاً، بشكل يومي اتصالات عتب وإعجاب وتحذير وتأييد، فإن لم تكن ذا بأس غثيث، فانفذ بجلدك واكسر قلمك واهرب من الداب وشجرته، أو فتقرّب إلى كسرى وقيصر والإسكندر المقدوني وتقلّب بين أحضانهم. رابعاً، ثق بأنك إذا جلبت العسل فسيفرح المنصفون من جهة، وستحاصرك كتائب الذباب من جميع الجهات، فلا تجزع، هش الذباب، ثم قل للمنصفين: «كلوا من طيبات ما رزقناكم». خامساً: لا تبارز عامر بن الطفيل إلا إذا أتقنت اللعب بالسيف مثله وأفضل، أو فاختبئ بين الجموع. سادساً: إذا هددوك، فتقدم أكثر، ولا تتوقف عند حسابات الربح والخسارة، دعهم هم ينشغلون بالجمع والطرح، وانشغل أنت بضربهم... هذه وغيرها قوانيني الخاصة، أشترك مع الآخرين في أغلبها، فخذ منها نسخة إن أردت، أو فاتركها واكتب قوانينك الخاصة بك. 

back to top