طهران: امم هي الاشجار والكرة في ملعب أوباما!
إن قرار التسليم والتسلم لليورانيوم المخصب لن يكون إلا بقدر، وفي طهران، وبشكل متزامن، وحسب ما تقتضيه المصلحة العليا، هذا ما يخص النووي، وأما ما يخص العلاقة مع واشنطن فالكرة في ملعب أوباما الذي عليه أن ينجح في الاختبار الكبير الذي أمامه، فإما أن يبقى داعماً للصهاينة وإما أن يربح صداقة شعوب المنطقة، ويبقى التحدي الكبير الذي ينتظرنا نحن الشعوب، هو الدفاع عن القدس وتراث الإنسانية المهدد فيها، وأما المجتمع الدولي الصامت على ما يجري هناك، فهو شيطان أخرس إن لم يكن متواطئاً مع الكيان الصهيوني!
هذه هي خلاصة سياسة إيران الخارجية الآن والتي لخصها الرئيس محمود أحمدي نجاد في مؤتمر إسطنبول الأخير طارحاً في الواقع الرؤية الاستراتيجية المطلوبة لمنظمة المؤتمر الإسلامي تجاه المستجدات المتلاحقة والمتسارعة التي تحيط ببلاد العرب والمسلمين!أحمدي نجاد كان قد أضاف أيضاً أن بلاده مستعدة للمساعدة في تحقيق الرغبة في التغيير، لكنه قال إن ذلك مشروطٌ بأمرين: أن يجد آذاناً صاغية في الجانب الآخر، وأن يتم إقران شعار التغيير بالأفعال!وهي بالمناسبة نفس الرؤية التي لطالما دافع عنها بقوة وثبات حليفه التاريخي الرئيس السوري بشار الأسد مبكراً فيما نشهد انضمام القيادة السياسية التركية لها، وهي المستديرة شرقا في هذه الأيام لأسباب عديدة ليس أقلها حكمة ودراية القيادة السورية في التعامل مع دول الجوار، وما كان يصاحبه دوماً من ثبات موقفي طهران ودمشق تجاه القضايا الكبرى ما دفع حتى الأمير القطري الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للانضمام إليها ومواكبة حركتها العامة، كما ظهر في الآونة الأخيرة في أكثر من موقع وأكثر من مجال!هكذا إذن تبدو الأمور انطلاقاً من مؤتمر إسطنبول الاقتصادي الإسلامي الذي بلور بالإضافة إلى ما سبق نواة لتكتل إقليمي يتنامى الشعور لديه بضرورة إفساح المجال لدول الجنوب، لاسيما منها تلك التي تملك الإمكانات والمقدرات والرؤى للمشاركة الفعالة في إدارة شؤون العالم وإعادة صياغة المعادلة الدولية التي تبدو أنها مجحفة للغاية بحق شعوبنا وأممنا في المشرق العربي والإسلامي على حد سواء.وفي هذا السياق، فإن طهران التي تؤكد في كل مناسبة أن يدها ممدودة لكل يد صادقة وأذنها مصغية لكل إرادة حوار جدية، فإنها تعتقد جازمة بأن زمن الإملاءات والهيمنة والاستعمار وفرعه المتمثل في العصر الصهيوني قد ولّى وعفا عليه الدهر، وأن على أوباما إذا ما كان مصمماً على التغيير بالفعل أن يذعن لهذه الحقيقة ويترجمها على الأرض أيا كانت الصعوبات التي تنتظره.ومن أجل إزالة الغموض ودحض الاتهامات ورفع اللغط المتعمد حول الجانب الأخير مما بات يعرف باتفاق فيينا النووي الأخير نعرض الحقائق التالية: أولاً: ليس هناك شيء اسمه اتفاق فيينا النووي بين إيران والمجتمع الدولي، اللهم إلا الموافقة المبدئية من جانب طهران على مناقشة أي مقترح تقدمه الوكالة الدولية لتحقيق رغبة إيران في شراء مقدار معين من الوقود اللازم لتشغيل مفاعل طهران لصناعة الأدوية الحساسة.ثانياً: بداية القصة تكمن في أن إيران كتبت إلى الوكالة الدولية تعلمها بحاجتها إلى يورانيوم مخصّب بدرجة 20 في المئة، ولهذا الغرض تريد شراءه من الدول التي تمتلك مثل هذه التقنية، وهذا الوقود إبداءٌ منها لحسن النية، لأنها تستطيع أن تقوم وحدها بذلك، لكنها كانت ستتهم مرة أخرى بأنها تريد صناعة القنبلة النووية!ثالثاً: بناءً على رسالة إيران وما أبلغته الوكالة لكل من روسيا وأميركا فقط- ولا نعلم لماذا؟ بالرغم من أن هذه الإمكانية موجودة في اليابان والأرجنتين وإندونيسيا أيضاً- فإن مقترحاً روسياً أميركياً قدم للوكالة وأبلغ لطهران، وهو ما يتم تداوله الآن، والذي قالت طهران إنها ستدرسه بإيجابية ولم تقل يوما إنها قبلته كما هو!رابعاً: إن الموضوع برمته ليس سوى صفقة أو معاملة اقتصادية تقنية لا علاقة له من قريب أو بعيد بمحادثات جنيف السياسية حول الملف النووي برمته، كما تحاول القوى العظمى تصوير الأمر، وبالتالي فإن طهران ستأخذ بعين الاعتبار مصالحها العليا ومدى حاجتها ونوعية المعاملة من الناحيتين الاقتصادية والتقنية، وتتمنى أن تصل إلى توافق مع الوكالة باعتبارها الوسيط الخيّر والشرعي الوحيد لتأمين كل ما تقدم، فإن حصل، فنعم الحدث... وإن لم يحصل، فإنها ستذهب إلى مصادر أخرى من بينها أن تخصب هي بنفسها وهي قادرة على ذلك!خامساً وأخيراً: فإن على العالم الغربي المتجبر أن يذعن أخيراً، وبعد كل السنوات العجاف التي صنعها متعمداً حول العلاقة مع طهران بهذا الخصوص، بأن إيران ليست تلك الدولة التي ستخاف أو ترتعد أو تضعف أمام الأصوات العالية ولا التهديد أو الوعيد، ولا أمام أدبيات عفا عليها الدهر من قبيل الامتثال للشرعية الدولية!- وهو كلام كاذب ومخادع ولا حيثية له- أو منح طهران هامشا صغيرا إضافيا من الوقت! أو أن الزمن ليس مفتوحا أمامها، وأن صبرنا له حدود! أو أن عليها الرد خلال أيام! أو أن العالم لن يسمح لطهران بالتسويف والمماطلة، إلى ما شاء الله من أدبيات السخف والتعجرف الذي اعتادت عليه الدول العظمى في التعامل مع حكومات الدمى الواقعة تحت الاحتلال أو تلك المنصَّبة رغماً عن شعوبها ولا تعيش إلا على فتات المساعدات الدولية، فكل ما تقدم من أدبيات تعتبره طهران من عصر الإمبراطوريات الآفل والعصر الصهيوني المنتهية مدة استعماله، أصبح «أشبه بالسيارة القديمة التي تحولت إلى خردة حديد لا تصلح إلا للرمي في نفايات التاريخ»، كما جاء على لسان احمدي نجاد في مؤتمر إسطنبول أخيراً، فهل ثمة من يتعظ ويفتح أذنيه من عقلاء الغرب أم أن القحط والتصحر لايزال يتحكم بعقلية ونفسية المنتصرين في الحرب العالمية الثانية رغم سقوط جدار برلين العنصري!إيران من جهتها، وأياً كان الوضع وأياً كانت المعادلة المتحكمة بما يسمى مجتمع الكبار، لن تخطو أي خطوة دون الأخذ بمصالح الشعب الإيراني العليا، الذي كما سبق أن قلنا بأنه سيحاسبها حساباً عسيراً إن هي انحنت والعياذ بالله أمام جشع الغرب أو صولجانه و»هيلمانه»، وهو يدعوها ببرلمانها المنتخب ورأيها العام المتيقظ والمتوثب وكل مؤسساتها الدينية والزمنية إلى الوقوف عاليا أمام العواصف سواء تلك القادمة من الغرب أو حتى تلك التي قد تأتي من الشرق، وقفة عز كما هي شجرة السرو، وكما يقول الشاعر المصري المناضل عبدالرحمن بن يوسف «أمم هي الأشجار»!*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني.