لهذا اتخذ الأردن هذا الموقف

نشر في 19-07-2009
آخر تحديث 19-07-2009 | 00:00
 صالح القلاب كان يجب أن يتخذ الأردن، رسمياً، رفضه لاتهامات فاروق القدومي (أبو اللطف) للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بأنه تآمر ومعه محمد دحلان مع الإسرائيليين والأميركيين لاغتيال ياسر عرفات (أبو عمار)، والمسألة هنا تتعدى إطلاق هذه الاتهامات، التي لا يمكن أن يصدقها حتى أصحاب أنصاف العقول، في العاصمة الأردنية عمان إلى تعريض الأمن الوطني الأردني للخطر وإلى تمزيق الساحة الفلسطينية أكثر مما هي ممزقة وفي أسوأ توقيت وأخطر مرحلة.

إن المعروف، وهذا أمر لا يحتاج إلى أي تأكيد، أن القدومي ليس بندقية وإنما حنجرة للبيع والإيجار، وذلك على غرار ما كان فعله صبري البنا (أبو نضال)، عندما دفعه بعث العراق في بدايات سبعينيات القرن الماضي إلى إحداث انقسام في حركة "فتح" كهذا الانقسام الذي يحاول إحداثه (أبو اللطف) داخل هذه الحركة الفلسطينية لحساب إيران بالتعاون والتنسيق مع مخابرات دولتين عربيتين ومع حركة "حماس"، التي قامت بكل ما قامت به لجبِّ كل ما قبلها والحلول محل منظمة التحرير الفلسطينية.

لقد اتخذ الأردن هذا الموقف الرافض لافتراءات القدومي ليس انحيازاً لـ"فتح" لو أن الصراع داخل هذه الحركة يجري في مكان بعيد، ولا يستهدف مستقبل القضية الفلسطينية في أخطر مرحلة تمر بها، لكن ولأن هناك تداخلا ديموغرافيا وجغرافيا بين الأردنيين والفلسطينيين، ولأن أي اقتتال في الضفة الغربية سينتقل حتما إلى الضفة الشرقية وإن بأشكال أخرى، فإن الحكومة الأردنية لم تجد بداً من اتخاذ هذا الموقف الذي اتخذته، والذي كان يجب أن تتخذه، ويجب أن تتبعه بإجراءات عملية لوأد هذه الفتنة التي تستهدف الأردنيين كما تستهدف الفلسطينيين وربما أكثر.

لقد كان على (أبو اللطف) أن يكشف أسراره، التي اتضح أن مصدرها شبكة إعلامية إسرائيلية، قبل خمسة أعوام وبمجرد رحيل عرفات لو أنه غير منخرط في مؤامرة تستهدف الأردن وتستهدف القضية الفلسطينية حتى وإن كان عنوانها إفشال مؤتمر "فتح"، الذي تقرر عقده في بيت لحم في فلسطين في الرابع من أغسطس المقبل، فالمملكة الأردنية الهاشمية هي أكثر الدول العربية تمسكاً بحل الدولتين، أي دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية، وهي أكثر الدول العربية عملاً من أجل إنجاز هذا الحل، وبالإضافة إلى البعد القومي والإسلامي والأبعاد الأخرى فإن قيام دولة فلسطين المستقلة على الأراضي التي احتلت عام 1967 سينهي نهائيا الوطن البديل.

ولذلك، فإن الأردن قد نظر إلى ما قام به (أبو اللطف) من زاوية استهداف أمنه الوطني بإشغاله عن الضغط في اتجاه إلزام الإسرائيليين باستحقاق حل الدولتين بإشكالات داخلية ومن زاوية أن افتعال انشقاق جديد في الساحة الفلسطينية بالإضافة إلى الانشقاق الذي افتعلته حركة "حماس" بفصل غزة عن الضفة الغربية، سيسلح إسرائيل بسلاح جديد للتملّص من الضغط الأميركي والدولي الذي تتعرض له الآن للهروب من هذا الاستحقاق ولاستبداله بمؤامرة الوطن البديل، التي يبدو أنها تستهوي بعض الفصائل الفلسطينية، كما تستهوي بعض الدول العربية.

الآن تقول إسرائيل للأميركيين وللعالم كله، إنها لا تجد الطرف الفلسطيني الذي يمكن مفاوضته، وذلك على اعتبار أن الانقلاب الذي قامت به "حماس" وفصلت بموجبه غزة عن الضفة الغربية قد أوجد كتلتين فلسطينيتين متناحرتين وأضعف موقف منظمة التحرير الفلسطينية، ولذلك فإن سعي (أبو اللطف) إلى افتعال انقسام جديد لا يمكن تصنيفه إلا على أنه لا يخدم إلا المصلحة الإسرائيلية، وبخاصة أنه، إذا لم يتم إفشاله باتخاذ مواقف عربية كالموقف الذي اتخذته المملكة الأردنية الهاشمية، فسيؤدي إلى حرب أهلية بين الفلسطينيين أنفسهم، إن في داخل فلسطين، وإن في خارجها.

كاتب وسياسي أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top