خصخصة بـ قمارتين!
يشهد الله على أنني من أشد المؤمنين بأنه لا مستقبل للكويت بدون دور فاعل للقطاع الخاص عبر مشاركته ومبادراته واستثماراته في كل أنشطة البلاد، وهذه حقيقة اقتصادية برهنتها كل تجارب البشرية حتى يومنا هذا، وحتى لا أغوص في تعبيرات اقتصادية لدعم رأي قد تعرضني لانتقادات النائبة د. رولا دشتي الوكيل الحصري لمستخدمي اللوغاريتمات الاقتصادية في إقليم الكويت والدول المجاورة، فتتهمني بأنني استخدم مفاهيم اقتصادية لا أفقه معناها كما فعلت مع زملائها النواب، لذلك سيكون حديثي عن مفهوم الخصخصة مبسطاً ومختصراً.
وببساطة أقول: إن الخصخصة آلية نشأت في الغرب لتقليص التزامات الدول المالية تجاه بعض الخدمات والمرافق العامة والصناعات الحيوية التي توسع اعتمادها على الدولة بعد الحرب العالمية الثانية بشكل كبير لظروف الحرب وتضرر القطاع الخاص منها، وحاجة الدول إلى إعادة الإعمار وتقديم الخدمات إلى الشعوب التي عانت خلال فترة المعارك الطاحنة، الخصخصة نموذج صمم لتلك الدول ذات البيئة المهيئة لها، من قوانين الضريبة على الدخل ومؤسسات المجتمع المدني القوية المدعومة بقوانين تحمي حقوق المستهلك، وتكافؤ الفرص والشفافية، ومكافحة استغلال السلطة في التكسب المالي والفساد. ولذلك أطلب من جميع من ناصر قانون الخصخصة بنسخته الكويتية وتبناه... أن يعطي الشعب الكويتي مثالاً واحداً عن دولة طبقت عمليات الخصخصة ولا يوجد لديها قانون لضريبة الدخل؟.... والإجابة أعرفها تماماً: لا توجد على كوكب الأرض... فهو الشرط الأساسي بجانب حماية المستهلك وحزمة قوانين ضمان الجودة وعدم التكسب غير المشروع لرجال الدولة وأصحاب القرار من برامج التخصيص، وكذلك أستفسر منهم إلى أي جهة يمكن أن يلجأ المستهلك في الكويت لو اختلف مع شركة اتصالات بشأن قيمة فاتورة تلفونه النقال؟... ومن يستمع إليه؟... ومن يردع من يضيف 15 في المئة إلى فاتورته لعميله كضريبة خدمة في بلد لا توجد فيه ضريبة مبيعات أو بلدية ودون أي سند؟... والإجابة أيضاً أعرفها: لا حياة لمن تنادي!ولكننا للأسف استمرأنا في الكويت أسلوب جلب سياسات وآليات عمل اقتصادية عالمية لها بيئتها وشروطها ومواصفاتها، وتركيبها في البلد بأسلوب الترضيات العشائرية للقوى النافذة فيه، وهو الأسلوب الذي اتبع من صياغة الدستور حتى أبسط القوانين في بداية تحول الدولة من إمارة تدار بأسلوب عشائري إلى دولة حديثة، وكان ذلك مقبولاً في حينه كفترة انتقالية، ولكن امتدادها أكثر من أربعة عقود، وبلا نهاية منظورة، ترك آثاراً سلبية بدأت تنخر في البلد وتشله وتخلق التوترات والصراعات بين مكونات المجتمع.قانون الخصخصة، الذي ألبس عندنا «الغترة والعقال» وصدر... هو كمن يأتي بكتالوج طائرة «إيرباص» ويريد بواسطته أن يجمع «وانيت بقمارتين»... وهو ما يتماثل تماماً مع ما حدث لقانون الخصخصة المشوه الذي صدر عندنا بخلطة «السهم الذهبي، الشريعة الإسلامية، الأسهم المجانية» وبدون ضريبة دخل وحماية المستهلك، وسيصبح قانوناً جديداً على الرف مع مجموعة قوانين أخرى، دون القدرة على تطبيقه، فلا شركة قطارات ألمانيا ولا كبرى شركات إدارة الموانئ الأميركية ستتهافت لإدارة مرافقنا وفقاً للشريعة الإسلامية، ولذلك «فأبرك» للحكومة ولمصلحة البلد أن ترد القانون ولا تصادق عليه، وتعمل بجد لتهيئة البيئة المناسبة لقانون تخصيص عصري وعادل يستحقه البلد والأجيال القادمة التي ستعيش في ظروف صعبة تختلف عما عشناه نحن من فوائض ورفاهية، وستكون في حاجة شديدة إليه.