أعلم أن تفكيري بصوت مرتفع في هذه المقالة قد يجر عليَّ هجوم «المكارثيين الكويتيين»، الذين قد يضمونني إلى لائحتهم السوداء لأعداء دستور 1962، لكنني مُدرِك أنني لست كذلك، وكنت طوال حياتي المهنية والشخصية من مُناصري الحياة الدستورية النيابية، كما استمددت خبراتي السياسية من إحدى شخصياتها الفذّة المرحوم سامي المنيس، الذي عايشته وعملت معه سنوات طويلة حتى وفاته، رحمه الله، فأنا لا أستطيع أن أُبقي فكري في قوالب جامدة ومتابعتي لشؤون بلدي في اتجاهات محددة، غير قابلة للمراجعة والتدبُّر في أحوالها.

Ad

ومن حسن التدبُّر في الأمور أن تراجع نتائج ما آلت إليه الأوضاع بعد أن تعمل الوسيلة المطلوبة لتحقيق الغايات المرجوة، ودستور 1962 هو وسيلة لا غاية، وسيلة للمشاركة الشعبية في الحكم والحفاظ على المال العام وتحقيق العدالة الاجتماعية وحفظ حقوق المواطنين وحرياتهم بشكل عام... فماذا حدث خلال وبعد خمسين عاماً تقريباً من العمل في الدستور لتحقيق تلك الغايات؟

لم تتحقق المشاركة الشعبية، بل استُبدلت في البداية بتحالف بين السلطة وبضع أُسر كُبرى مؤثرة اقتصادياً واجتماعياً ووكلائها، كانوا خلالها يتقاسمون شؤون الحكم بالتشاور أحياناً والتراضي أحياناً أخرى، حتى دبَّت خلافات تعارض الرؤى والمصالح بينهم، واستُبدل في ما بعد هذا التحالف جزئياً بالقوى الدينية والقبلية التي نخرت مؤسسات الدولة وجعلتها غنائمَ تُوزَّع على الكوادر الحزبية وأبناء العمومة... فضاعت المشاركة الشعبية الحقيقية في إدارة شؤون البلد، وأصبحت أداةً لتبادل المصالح والضغط لتحقيق المنافع الذاتية.

أما المال العام فلم يتمكن الدستور بجميع آلياته أن يحافظ عليه... فلم يستطِع أن يوقف العبث في أراضي الدولة وأملاكها، وتم توزيعها من قلب العاصمة حتى الحدود الشمالية والجنوبية ككراجات وقسائم تجارية وصناعية ومزارع وجواخير، حتى حازت أقليةٌ مقاطعات من» المولات»، والمنتجعات التي تحتل الشواطئ العامة بحراسة الدولة، وأحياناً بالحيوانات المفترسة كالأسود!... ولم يستطِع الدستور أن يوقف تجاوزات صفقات «سانتافي» و»توراس» و»بي بي» واختلاسات مكتب لندن وألاعيب الكبار في البورصة منذ عام 1976 حتى اليوم، والتي كان آخرها ما فعلته شركة كُبرى للخدمات، ضيّعت الملايين من استثمارات مؤسسات حكومية فيها من دون أن يتحرك أحد لمساءلة القائمين عليها... أما الحديث عن دور الدستور في تأميم الثروة النفطية -مع تقديرنا لمن عمل على تحقيقه- فهو أمر كان في حينه ضمن فعل دولي وإقليمي سبقتنا فيه ليبيا بحكّامها العسكريين وبلا دستور، وكذلك العراق الدكتاتوري في سبعينيات القرن الماضي... وفي ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، فإنها هدف لم يُدرَك، فالاختلال الواضح في توزيع الثروة الوطنية بين مَنْ يحوز مقاطعات من الأراضي بأسعار رمزية يستثمرها تجارياً بمبالغ مضاعفة ويتلاعب بمشاريع الدولة ومناقصاتها من دون حسيب أو رقيب، وينتفض غاضباً إذا طُلِب منه تسديد ضريبة للدولة بينما يدفع سعيداً وبشوشاً ربع مليون يورو سنوياً لحكومات أوروبا كضريبة عقارية عن عقاراته المتناثرة هناك، وبين ما تحتويه ملفات بيت الزكاة وإدارة تنفيذ الأحكام من مآسٍ لأسر كويتية، يؤكد أن تلك العدالة لم تتحقق ولسنا حتى قريبين منها... كما أن الدستور بكل مواده وآلياته أيضاً، لا يستطيع أن يوفر لنا إجابة شافية عن مصير 600 مليار دولار أميركي حصلت عليها الدولة منذ تدفق النفط... في بلد حتى يومنا هذا لا يوجد فيه جامعة حكومية أو مستشفى عام أو مطار بمواصفات عالمية! وفي ما يخص الحريات العامة... فإننا الدولة الوحيدة في العالم التي تشترط للحصول على جنسيتها الاعتقاد بديانة محددة، والتي يُطارَد فيها المواطن والمُقيم بلجان الظواهر السلبية، ومحاكم التفتيش على الكتب وضوابط الحفلات والفصل بين الجنسين في المؤسسات التعليمية... وتوجد فيها لدى بعض العائلات حصانة من النقد الصحافي مهما عبثت بمناقصاتها في طرقها وملاعبها ومطاراتها!... وبعد كل ذلك ألا يحق لِمَنْ يُعمِل عقله أن يتساءل: «...شنو فايدة الدستور»؟!

***

ما يحدث من تعامل وحوار راقٍ وتفاعل إيجابي من وزارة الدفاع مع القضايا التي تُطرَح في الإعلام عن شؤون الجيش الكويتي الباسل، يدل على حرص وعمل دؤوب ومخلص من قِبَل النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك، ودعم على مستوى عالٍ من طاقم الوزارة، خصوصاً من الفريق صالح الحميضي ذي الطرح الشامل والمناقشات التي تنمُّ عن خبرات واسعة عسكرية وثقافية وإعلامية... عساكم على القوة والعافية.