آخر وطن انثى لا تشبههن
أنثى تخرج من رحم البراكين لتنزل مطراً وشذى ياسمين، تخرج من لهب النار فراشة عصية على الاحتراق، إذا سُئِلتَ من هي تلك الأنثى أجب بلا تردد: ذكرى الرشيدي!!
امرأة تسير عكس السير، لكنها لا تربك المرور، وهذا سحرها، قطرة ماء تصعد إلى أعلى رغم الشلال «الهابط» إلى القاع!تحاصر حصار القبيلة بابتسامة هادئة، وبلا ضجيج، تتمرد على فسق المنطق القبلي، بعفّة الفعل الإنساني.ذكرى الرشيدي ليست أول مخالفة للشارع العام، وليست أول خارجة على القانون الذكوري، لكنها من أولئك القليلات اللاتي سبقن الطب المعاصر بابتكار إجراء العمليات الجراحية من دون مشرط، من اللاتي لا يتعمدن استفزاز القناعات السائدة، ولا يحاولن إثبات ذاتهن بالصراخ والعويل، بل يستخدمن السحر الحلال لمقاومة الفكر الحرام!وقفت «شوارب» القبيلة شاهرة سيوفها أمام بابها، متوعدة بمحو العار الخارج بجسد أنثى أو منه، انتظرت تلك الشوارب طويلاً وهي تزبد وترعد، بانتظار القضاء عليها بضربة واحدة ليتفرق دمها بين الشوارب هدراً، خوفاً من تحمل شارب واحد وزر دمها الجليل، كانت المفاجأة أن «ذكرى» مرت في غفلة من تلك الشوارب، مخترقة شرر الكلمات وشرها، فلما انتبهوا وجدوها تحلق عالياً... عالياً، وبعيداً عن هدير نياقهم التي لا تملك قدرة على الطيران، فقدر هذه النياق أن تطوي الصحارى فقط، أما دروب الشمس فيشق عليها ويصعب! لماذا أتذكر «يوم ذكرى الرشيدي» الآن، وقد مر على ذلك اليوم زمنٌ ليس بالقصير؟!تذكرت ذلك اليوم وأنا أعيش احتفالات الكويت في هذا الشهر، شهر فبراير واحتفالات التحرير، وتساءلت في نفسي هل تحررت الكويت فعلاً؟! وتشجّر السؤال ليمتد على امتداد مجتمعاتنا في الوطن العربي كله، هل هي حرة فعلا؟!أظن أننا في حاجة إلى استنساخ ذكرى الرشيدي في كل بيت، في حاجة إلى استنساخ روحها وشجاعتها وعزيمتها لا في أجساد النساء فقط، إنما في أجساد الرجال أيضاً،لأن الصراع ليس بين جنسين، بل بين عقليتين، نحتاج إلى أن يُخصَّص منهج دراسي يعلم أطفالنا أن التمرد على شيء لا يعني بالضرورة كرهه، إنما حباً له، وإنقاذاً له من قبرٍ ظن أنه الدار الآخرة، على أن تصبح ذكرى الرشيدي ومن على نهجها نبراساً لهذا المنهج ومكوّناً جوهرياً لفصوله.نحتاج إلى أن يتعلم بعض النسوة من ذكرى الرشيدي، أن انتشال هذا المجتمع من مخالب التخلف التي تجذّرت في أعماقه ليس في المطالبة بتعدد الأزواج مثلاً، أو أحقية المرأة في ممارسة الشذوذ الجنسي، ولا في التصادم الساذج مع قناعات حارقة، وافتعال معارك خاسرة سلفاً بحثاً عن بطولة رخيصة.نحن في حاجة إلى نساء قويات لا يخدشن كرامة كل من يمتّ لهن بصلة دم، ولا يخدشن جمال أنوثتهن، نساء يعرفن كيف يفتحن الأبواب المغلقة في الذهن الذكوري وتغيير لون حائطه، وإعادة تأثيثه، وإشعال الشموع في زواياه المظلمة، من دون الحاجة إلى كسر الباب، أو محاولة إحراق المكان بكل ما فيه، نساء تدلّهن أنوثتهن على الطريقة المثلى لتغييرنا نحن الرجال وغسلنا من دنس ذكورتنا المقيت!