تعقيد الإجراءات 
يحمي الفساد

نشر في 25-10-2009
آخر تحديث 25-10-2009 | 00:00
 علي البداح لا تنمو الرشوة ويصعب كشفها إلا عندما تتعقد الإجراءات وتزداد خطوات التنفيذ ويكثر عدد الذين يعتمدون كل خطوة. ما إن يكتشف حالة تزوير أو خطأ، فإن الوزير يعاقب كل الناس بزيادة محطات المراقبة وزيادة عدد الموقعين على المعاملات، مفترضاً أن كثرة التوقيعات وتعقد الإجراءات يحميه من الأخطاء والخطايا البشرية، لكنه في الحقيقة يفقد السيطرة على كل شيء، وحين يقع خطأ فإنه لا يستطيع أن يعرف مسؤولية مَن كان المخطئ؟ فكل مسؤول متمترس بما سبقه وما لحقه من مسؤولين أجازوا قبله أو بعده ذلك الخطأ.

بل إن الموظف الفاسد سواء كان مسؤولا أو غير مسؤول يجد في تعقد الإجراءات وضياع المسؤولية فرصة عظمى لاستغلال النظام والفرار بغنيمته دون أن يكتشفه أحد.

وحين تغيب المسؤولية وتثقل الإجراءات على الناس، فإنهم سيجدون أمامهم من يقول «أنا أخلِّص لكم المعاملة في أسرع وقت لو دفعتم المقسوم». والناس للأسف تدفع فمن يطيق البهدلة والتزاحم في أروقة الوزارات و»تعال غداً» الذي لا يأتي إلا بقدرة قادر.

أصبحت الرشوة شيئاً مألوفاً وغير مستغرب، والكل يعرف من يقبض وكم يقبض ولكن الراشين لا يتكلمون، والمرتشون لا يظهر لهم أثر إلا من وقع أمام مرتشٍ أكبر.

إن الإنسان يحتار في أسباب نجاح وزارات وتأخر وتقهقر وزارات أخرى في نفس الحكومة وتحت نفس الإدارة. في الحكومة أمثلة على تبسيط الإجراءات وخدمة المواطن نراها في مكاتب خدمة المواطن بوزارة الداخلية وفي التأمينات الاجتماعية وعدد محدود من مؤسسات الدولة.

هذه الجهات نظّمت وبسّطت إجراءاتها واستخدمت التقنيات في ضبط سلامة الإجراءات ولا تستغرق أي معاملة سوى دقائق معدودة، في نظام يحترمه كل أصحاب المعاملات، لكن كل هذا غائب في بقية وزارات ومؤسسات الدولة، بل في كل يوم نرى إجراءات وقرارات ولوائح جديدة تزيد من سخط الناس وإيمانهم بغياب قيادة فاعلة في إدارة الحكومة.

أضرب مثالاً لإجراءٍ اتخذته الهيئة العامة للمعلومات المدنية، ولا أعرف له سبباً إلا تشجيع ملاك العمارات والفرض على الناس لاستئجار مقار إضافية لإدارة أعمالهم. في السابق كان صاحب العمل يدير مؤسسته أو فروعها من مكتب واحد. جاءت المعلومات المدنية وفرضت على صاحب العمل أن يكون لكل فرع مكتب خاص ليحصل على الرقم المدني، الذي بناء عليه يحصل على ترخيص وزارة الشؤون واعتماد توقيع معاملاته.

وتصوروا وضع هذه المؤسسات وما هي مجبرة عليه، فالمعلومات المدنية والشؤون تخنقان أعماله لأن أياً منهما لن تمرر أي معاملة له إلا بتنفيذ شروطهما، ولو أراد صاحب عمل تقسيم مكتبه إلى مكتبين، فإن عليه أخذ موافقة البلدية والإطفاء، وفي داخل البلدية سيكون مفقوداً إلا بمندوب يعرف من أين وكيف يحصل على موافقة البلدية، حتى من دون كشف أو أي من الإجراءات العقيمة التي يطلبونها؟

إن كنتم جادين في محاربة الفساد والقضاء على الرشوة فحرروا الوزارات من هذه القيود والعقد، وأعطوا الصلاحيات، وحددوا المسؤوليات، وادعموا نظمكم الآلية للإسراع في إنجاز معاملات الناس، وشددوا العقوبة لكل من يخون الأمانة أو يستهتر بالنظم، ولتأخذ هذه الوزارات مثلاً من زميلاتها الوزارات التي عملت على حماية معاملاتها من جهة وحققت الراحة للمواطنين من جهة أخرى. 

back to top