أطرف ما قيل بشأن احتمال اندلاع حرب جديدة بين حزب الله وإسرائيل هو أن هناك توازن رعب بين الطرفين سيجعل الإسرائيليين "يعدّون إلى العشرة" قبل أن يفكروا في أن يكرروا حربهم الأخيرة، حرب يوليو عام 2006، وهي الحرب التي قال حسن نصرالله إنه لقّن "العدو الصهيوني" فيها درساً لن ينساه، وذلك مع أن نتيجتها كانت دماراً شاملاً شمل معظم المناطق اللبنانية بالإضافة إلى نحو ألف وخمسمئة قتيل معظمهم من المدنيين الأبرياء وتعزيز القوات الدولية في الجنوب اللبناني التي غدت تشكل ستاراً فاصلاً بين "مجاهدي" هذا الحزب وخطوط التماس الإسرائيلية.

Ad

وبالاستناد إلى نظرية توازن الرعب هذه فقد أطلق حسن نصرالله تهديدات جديدة توعد فيها إسرائيل بأنه سيفرض على شواطئها وموانئها حصاراً إن لجأت أو فكّرت في فرض مثل هذا الحصار على الشواطئ اللبنانية، والحقيقة التي يجب أن تقال في هذا المجال هي أننا نتمنى فعلاً أن يكون حزب الله قد حقق توازن رعب مع إسرائيل، وأنه قادر على فرض حصار على الشواطئ الإسرائيلية، فهذا إن كان مؤكداً فإنه يعتبر تحولاً استراتيجياً سيجعل الإسرائيليين يبادرون إلى لملمة أوضاعهم استعداداً للرحيل عن بلادنا ليصبحوا شذاذ آفاق، كما كانوا، في دنيا الله الواسعة.

لكن ما يتبادر إلى الأذهان حتى بالنسبة إلى أصحاب أنصاف العقول هو أنه إذا كان حزب الله لديه كل هذه الإمكانات والقدرات العسكرية، وأنه وصل من التفوق إلى حد استطاعته فرض حصار على الشواطئ الإسرائيلية، فلماذا يا ترى لا يبادر إلى فرض هذا الحصار منذ الآن؟ ولماذا يؤجل قصف "ديمونا" وتل أبيب ونهاريا؟ ثم لماذا إذا كان قادراً بالفعل على هذا كله يترك غزة المسكينة محاصرة على هذا النحو، إذ هي تواجه كل هذا الحصار القاتل من البحر والبر والجو؟

ومثل هذا السؤال يجب توجيهه إلى محمود أحمدي نجاد، الذي كرر التهديد أكثر من مرة بأنه سيزيل إسرائيل من الوجود إن تمادت في قمع الشعب الفلسطيني... لماذا يا ترى لا يبادر الرئيس الإيراني إلى إزالة هذه الدولة الصهيونية المعتدية من الوجود ويريح الفلسطينيين والعرب والمسلمين من شرها؟ وعندها فإنه سيتحول إلى صلاح الدين الأيوبي آخر، وستكرس إيران نفسها مثابة القيادة في هذه المنطقة ولعقود طويلة.

"رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه"، والمسألة هنا ليست مسألة حسد أو حقد، لا سمح الله، إنها مسألة واقع وحقيقة، فالواقع يشير وبالأرقام إلى أنه لا يوجد توازن رعب في هذه المنطقة بين إسرائيل والعرب كلهم، أما الحقيقة فإنها تذكرنا بـ"الظافر" و"القاهر" التي عندما وقعت الواقعة في عام 1967 تبين أنهما كذبة كرتونية كبيرة، كما تبين أيضاً أن زمجرات طويل العمر أحمد سعيد عبر "صوت العرب" كانت كحداء مسافر الصحراء ليلاً الذي عندما يستبد به الخوف يبدأ بالغناء بصوت مرتفع ظاناً أنه بهذا يبعد عن نفسه اللصوص والضباع وهوام الأرض.