آخر وطن: بين مطرقة النوايا وسندان الفطنة!

نشر في 09-04-2010
آخر تحديث 09-04-2010 | 00:00
 مسفر الدوسري إذا كان بإمكاننا أن نتقي سواد نوايا الآخرين، فلماذا نراهن على بياض نواياهم؟!

لماذا نترك الضوء لمشيئة المصابيح تلونه كيفما تشاء، وترسم ظلال الأشياء كيفما تشاء، وتتشكل الصورة كما يشاء خيالها، في الوقت الذي نستطيع أن نحتكم إلى عدالة الشمس؟!

لماذا نحرث الأرض، ونبذرها، ونسقيها عَرق العمر، ثم نترك سنابل الفرح لضمير الجراد؟!!

لماذا كثيرا ما نعبر شارع الحياة المكتظ بالمتهورين مغمضين أعيننا، مطمئنين إلى التزام «كل» العابرين بآداب السير وأخلاقيات القيادة؟! وأننا لن نتعرض لحادث دهس شنيع على هذا الاسفلت الحار؟!

لماذا نثق كثيرا بأنه لا عينَ سترى أصابعنا المخضبة بالحناء، ملوثة بالدم وربما بقايا لحم ممزق؟!

لماذا نوشك كثيراً أن نؤمن بأن الآخرين لن «يفسرونا» إلا كما نقولنا؟!

ولن يرونا إلا كما نصوّرنا؟!

ولن يلوّنونا إلا كما نرسمنا؟!

ولن يستسقونا إلا كما نهطل؟!

هل هي ثقة مفرطة بالآخرين، أم غرور أحمق بوضوحنا؟!

أم هي الحاجة إلى إشاعة مناخ النوايا الحسنة بيننا لتسهل الحياة علينا، ويسهل العيش بها؟!

أم أنها الرغبة في التحرر من بعض قيود العقل والمنطق اللذين ينموان في بيئة الشك والريبة، والارتهان لسماحة المشاعر الندية، وفضاء الأحاسيس المترعة بالشموس؟!

أم أنه مجرد سلوك نمارسه عن تقاعس وملل، بالرغم من وعينا التام بعواقبه السلبية؟! وربما يكون هذا التقاعس ناتجاً عن حسبة ذاتية سريعة، نجد فيها أن استراحة قصيرة من ممارسة الحيطة والحذر أكثر نفعاً لذواتنا من رد شر قد يأتي!

أنا شخصياً أشك أننا «نهمل» التأكد من فهم الآخرين لنا بصورة صحيحة، ثقة في نواياهم الحسنة، وثقة منا في أنهم لن يرونا إلا بالصورة التي نحبها لأنفسنا، وأشك كذلك في أننا نسقط من حساباتنا عمدا سوء ظننا بالآخر وسوء ظن الآخر بنا، رغبة منا في خلق مناخ من التعامل بيننا قائم على حسن الظن، بدليل أننا نمارس نفس الدور الذي يمارسه الآخرون معنا، فنحن نراهم كما نريد لا كما هم، ونفسرهم كما نشتهي لا كما يعبّرون، ونرسم صورهم بأقلامنا الزيتية، لا كما ترسمهم ألوانهم المائية.

إذن...

من الحكمة ألا نترك مصير الحكم علينا رهناً بنوايا الآخرين الطيبة بنا، ما دمنا قادرين على إجبار نواياهم السيئة على الخرس!

ولكن...

هل نحن قادرون دائماً على فعل ذلك؟!

هل نملك هذه القدرة طوال الوقت وكل العمر؟!

هل أذهاننا حاضرة ومتيقظة في جميع المواقف واللحظات؟!

ألا يرهق ذلك أرواحنا ويصيبها بالعطب السريع؟!

كوننا في حالة تأهب دائم، ألا يجعل العمر ليس سوى حقل ألغام متجاورة ومحاولة عبوره إلى منتهاه مهمة شاقة، وتكاد تكون مستحيلة ؟! أليس هذا ما يجعلنا نحس في كثير من الأحيان أن الحياة ليست سوى مزحة ثقيلة، وعبث أحمق؟!

ماذا نفعل؟!

إن تركنا أنفسنا للآخرين واحتكمنا إلى ضميرهم، فقد نقتل بشظية سوء نية طائشة، وإن تسلحنا بحسن فطنتنا متنا تعباً!!

بالنسبة لي.. عرفت الحل منذ زمن، وأحسست براحة بال عظيمة منذ ذلك الحين.

بالنسبة لكم... ماذا أنتم فاعلون؟!!!

back to top