لا يوجد تطرفٌ قومي أكثر من هذا التطرف، فعندما تلجأ إيران إلى طرد مضيف جوي يوناني لأنه استخدم تسمية «الخليج العربي» بدلاً من «الخليج الفارسي» وعندما تُقرِّر منع رحلات شركات الطيران القادمة من الدول العربية من دخول أجوائها إن هي استخدمت هذه التسمية، فإن هذا معناه أن كل هذا الكلام عن الإسلام والثورة الإسلامية هو مجرد ذرٍّ للرماد في العيون ومجرد طلاءٍ لخداع عباد الله الصالحين، ودفعهم إلى التخلي عن التزاماتهم القومية و«تحشيدهم» طائفياً لتغيير ولاءاتهم بالولاءات التي استجدَّت بعد فبراير عام 1979.

Ad

المُفترَض أن دولة إسلامية جاءت بديلاً عن النظام الشاهنشاهي، على اعتبار أنه علماني وعُنصري ومتعصب قومياً ويتطرف إلى ما وراء حدود بلاده لاستعادة أمجاد قورش، تلتزم أن «الإسلام يجُبُّ ما قبله» وأن هذا الخليج المختلَف على اسمه ليس عربياً ولا فارسيّاً وإنما إسلاميٌ، على اعتبار أن المسلمين ودولهم وأنظمتهم، بما في ذلك دولة إيران ونظام الثورة الخمينية، «يُزنّرونه» من كل جانب، ويحيطون به كما يحيط السوار بالمعصم.

ربما من المعروف أن هذه المسألة قد طُرحت على الإمام الخميني، رحمه الله، في الأيام الأولى من انتصار ثورته، وأن بعض المسؤولين العرب الذين زاروا طهران لتهنئته بانتصار هذه الثورة قد عرضوا عليه من قبيل فتح صفحة جديدة مع دولة مسلمة مجاورة للأمة العربية، ولها معهم تداخل حضاري عظيم وتاريخ مشترك طويل أن يُسمَّى هذا الخليج «الخليج الإسلامي» لكنه كان حازماً وحاسماً في رفضه وأصرَّ على تسميته «الخليج الفارسي» كل هذا مع أنه يعتمر عمامة سوداء، وأنه من آل بيت محمد صلوات الله عليه ورضوانه. والسؤال هنا هو: إذا كان نظام الولي الفقيه الذي يحتل هذا الموقع لأنه معمَّم وباسم المذهب الجعفري الاثني عشري قد لجأ إلى هذا الإجراء الذي يمثل ذروة التعصب القومي الفارسي فكيف يطلب من العرب أبناء هذا المذهب الشريف أن يكون ولاؤهم له ولحوزته ولثورته، لا لأُمَّتهم ولانتمائهم القومي؟! وكيف يطلب من «تركمان» إيران أن يتخلوا عن أصولهم، وأن يكون ولاؤهم له لا لغيره؟!

اعتبر الإسلام «العصبوية» القومية العمياء نتنة، وفقاً لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «دعوها فإنها منتنة»، والمفترض أن الولي الفقيه بعلمه وسعة أفقه واحتلاله هذا الموقع الجليل يعرف هذا الحديث، ويعرف أن التعصب لـ«الفارسية» على هذا النحو يتعارض مع القيم الإسلامية العظيمة، والمفترض أيضاً أنه يعرف أن إصراره على هذه التسمية واتخاذ حكومة ثورته قراراً بمنع شركات الطيران القادمة من الدول العربية من دخول الأجواء الإيرانية، إن هي استخدمت تسمية «الخليج العربي» هو دعوة إلى القطيعة وإلى إغلاق الأجواء مع دول من المُفتَرض أنها شقيقة بحكم الجوار وبحكم الإسلام والتاريخ المشترك.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة