بدأت أوساط سياسية وثقافية في الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، تتساءل عن ضرورة وأهمية وجود دولة إسرائيل، وعما إذا كانت هذه الدولة قابلة للحياة والاستمرار أم أنها ظاهرة عابرة، وأنها نتيجة لحظة تاريخية لم تعد قائمة هي الحرب الباردة وصراع المعسكرات، وبالتالي فإنها ماضية إلى الزوال حتماً سواء على المدى المنظور أو بعد مئة عام؟!

Ad

ولعل ما يعزز هذا التقدير أن مفكرين استراتيجيين يهوداً، بعضهم يعيش في إسرائيل ويحمل جواز سفر إسرائيلياً ويدرس في أهم الجامعات والمعاهد العلمية الإسرائيلية، قد انضموا في الآونة الأخيرة إلى مجموعات المشككين في وجود مبرر تاريخي وديني لإنشاء هذه الدولة في هذا الجزء من الشرق الأوسط والوطن العربي، بعد توقف الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء مباشرة، وهذا في حقيقة الأمر يعتبر تطوراً مهماً جداً، بينما يحتدم الصراع في هذه المنطقة على هذا النحو وبينما تأخذ المواجهة هذه الأبعاد الدينية.

إن هذه التقديرات، التي استنتجها أصحابها في ضوء تقصيات ودراسات علمية جادة، باتت متداولة ومطروحة حتى على مستوى كبار المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، ولهذا فإننا نرى هذه النزعة الإرهابية النزقة المتعاظمة في إسرائيل، ونرى هذا التحول المتلاحق نحو اليمين في المجتمع الإسرائيلي، ونرى على رأس هذه الحكومة الإسرائيلية هؤلاء المتطرفين الذين يمثلهم بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، ونرى أيضاً كل هذا الضمور للتيار اليساري، وكل هذا التراجع لما يسمى معسكر الاعتدال.

عندما يتصرف بنيامين نتنياهو على هذا النحو، ويسعى في كل يوم إلى ما يعتقد أنه يثبت أركان هذه الدولة، التي بات يعترف حتى بعض كبار الاستراتيجيين اليهود بأن قيامها استند إلى كذبة تاريخية كبيرة، وإلى وظيفة غربية تآمرية في لحظة زمنية عابرة، فإن هذا يعني أنه يحاول التعلق بحبال الهواء، ليؤجل هذا المصير المحتوم، وكي يحشد حوله وحول حكومته كل التيارات اليمينية المتطرفة الرافضة للسلام، لاعتقادها بأن السلام هو أكبر خطر على الدولة الإسرائيلية التي يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي ومعه هذا التحالف المشوَّه فرضها على الفلسطينيين وعلى العرب وعلى هذه المنطقة والعالم كدولة يهودية.

إن هذه الحقيقة باتت أكثر من ملموسة، ولذلك فإنه على الفلسطينيين والعرب أن يتعاملوا مع هذه المرحلة وحيثياتها بمنتهى الدقة والمسؤولية، إذ إن في مصلحة عتاة التطرف الإسرائيلي أن يبقى هذا الإرهاب الأهوج يضرب في كل مكان، وأن يبقى الإسرائيليون يشعرون بأنهم مهددون بالفناء، وأن تبقى هذه المنطقة ما ان تودع حرباً حتى تستقبل حرباً أخرى جديدة.

إنه علينا أن نتذكر، ونحن نقرأ كل هذه التقديرات عن طبيعة إنشاء إسرائيل وعن إمكان بقائها، أن هذه الدولة بقيت تعيش على الأخطاء العربية، وأول هذه الأخطاء أن العرب بصورة عامة قد وضعوا أنفسهم في مرحلة صراع المعسكرات والحرب الباردة في القاطرة السوفياتية، والمعسكر الشرقي الاشتراكي، وتركوا للإسرائيليين الانفراد بالغرب كله، وطرح أنفسهم على أنهم المخفر المتقدم لهذا الغرب ضد الشيوعية العالمية، والمعروف أيضاً أنهم يطرحون أنفسهم على أنهم الخندق الأمامي المتصدي لـ "الإرهاب الإسلامي" دفاعاً عن المصالح الغربية.