خذ وخل: عيد بأي فيروس عدت!


نشر في 20-09-2009
آخر تحديث 20-09-2009 | 00:01
 سليمان الفهد • من المحاذير التي أشارت إليها منظمة الصحة العالمية تجنب الوجود في الأماكن المزدحمة، والحق لا أعرف كيف يمكن تحقيق هذه الغاية في عاصمة مكتظة بالسكان مثل القاهرة؟! فالشعب المصري احتفالي، مغرم بـ»اللمة» والاحتشاد والتسكع زرافات ووحدانا في منطقة سيدنا الحسين والأزهر الشريف، فضلاً عن منطقة وسط البلد. وعلى الرغم من أن الشعب المصري مؤمن بالله سبحانه، فإن الإعلام الدولي وبمعيته الإعلام العربي، خلق حالة من الرعب المرضي، جراء تواتر الأخيار اليومية بشأن حركة وسكون ونهوض فيروس إنفلونزا الخنازير، وما إلى ذلك!

من هنا أحسب أن لسان حال شاعرنا سيقول هذا العيد: عيد بأي فيروس عدت ياعيد! وكنت أتمنى لو أن هذرتي اليوم متناغمة مع إيقاع العيد المترع بالبهجة والتواصل والترويح، وكل ما يدل على العيد من مظاهر وطقوس وأفعال لكن «الله غالب» بحسب إخواننا التوانسة فقد عكرت الخنازير صفو عيدنا، رغم أننا لا نفترسها ونأكلها، ولا نلمسها البتة والعياذ بالله!

ربما لأن عدوى المرض «ديمقراطية» تنتقل إلى خلق الله كافة، بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وأوطانهم، ومن هنا فرضت الخشية من عداوة حضورها ليلة السابع والعشرين من رمضان التي تكالب فيها المصريون على الجوامع للاحتفاء بليلة القدر. ففي جامع عمرو بن العاص الأثري الفخيم الشهير لاحظت بعض المصلين يرتدون الكمامات، وبعضهم الآخر تلثم بشال أو كوفية أو منديل، أما إمام ومقرئ المسجد الجامع الشيخ محمد جبريل فقد خص البلاء بدعاء تارة باسمه الحركي المطلق، وتارة أخرى باسمه الإعلامي الفني الشهير: إنفلونزا مرض الخنازير! ففي الوقت الذي يجابه العالم تحدي المرض بالسعي الى صنع الدواء تجدنا- نحن معشر العرب- نكتفي بصناعة الدعاء والفتاوى الثقيلة فقط لا غير! متكئين على سوق الصين العظيم الذي سيوفر لنا في أسواقنا الكمامات الرخيصة الثمن، وأدوية العلاج والوقاية، بعد أن صنع لنا سجادة الصلاة، وبوصلة اتجاه القبلة والسبحة بعدد أسماء الله الحسنى! ولم يبق سوى إنتاجهم لحى «باروكة» وفق المواصفات السلفية الأصولية وتلك اللحى «المخنجرة» العلمانية، إن صح التعبير!

• ولم يكتف عامة المصريين بلعن المرض والدعاء عليه، بل إنهم أشهروا عليه سلاح السخرية اللاذعة. كأن تصلك رسالة نصية جادة تقول: سيدتي المواطنة لا داعي إلى شراء الكمامات الواقية الباهظة الثمن، حسبك تحويل «صدريتك» القديمة إلى كمامات لك ولزوجك ولعيالك وكانت الرسالة النصية مذيلة بتوقيع اللجنة العليا لمكافحة إنفلونزا الخنازير! وفي السياق نفسه سمعت مَن ينصح بأن يلوذ المرء بكم جلابيته أو قميصه ليطيح فيه عطساً وكحاً وتثاؤباً لدرء العدوى عن الآخرين. أما مسألة غسل اليدين دوماً، وفق نصيحة الأطباء المختصين، فيبدو أنه لا حل لها، وسط مناخ القاهرة الملوث، إلا باستئجار سقاء وبمعيته فوطة و»صابونة ديتول»، يرافقك حيثما حللت وتسكعت! والحق أني لا أقلل من شأن مخاطر المرض القاتلة، ولا من أهمية مواعظ ونصائح المختصين لا سمح الله، غاية ما هنالك هو أن ظني يوسوس لي بأن إعلام الرعب المضمر في تضاعيف التغطية الإعلانية للمرض «تنفخ» في رسائل ووسائل الاتصال ذات الصلة بالشركات العالمية العملاقة المصنعة للأدوية، والتي تتنافس على أولوية أول دواء ناجح واق من المرض المرعب! والمؤسف أنه في الوقت الذي نلاحظ فيه مجابهة الأول لتحديات المرض ومخاطره بخطط محكمة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا واستعدت لها مسبقاً، بينما تجد ان ما يسمى بغرفة العمليات المكرسة لإدارة الأزمة غائبة تماماً عن العرب، وإن وجدت يسود فعلها البلبلة والارتباك والتهويل أو التهوين وغيرها من ممارسات تشي بأن إدارة بليّة مرض إنفلونزا الخنازير وحضورها الفاعل، رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه! الأمر الذي أفضى إلى وجود حالة من الرهاب الجمعي، والوسواس القهري القمعي يتنامى يومياً بفضل صحافة الترويع والرعب: الشاهد: عيدكم مبارك وعساكم من عواده.. عواد شهر رمضان، لا مكابدة الخشية من مرض إنفلونزا الخنازير!

back to top