إنه لأمر محزن بل مشين أن يوظف أحد الدعاة منبر الجمعة ليكيل الإساءات إلى الآخر المختلف مذهباً، هذا ما حصل في أحد مساجد الرياض، إذ استغل الخطيب منبر بيت الله لينفس عن كراهيته العميقة لإخواننا الشيعة ومراجعهم العليا، ووجه إساءات بالغة لـ300 مليون مسلم شيعي، وجرح مشاعرهم ووصف مرجعهم الديني الأعلى سماحة آية الله السيد علي السيستاني بأوصاف نابية، ولم يتورع عن استغلال منبر بيت الله لبث كراهيته وشق صفوف المسلمين وإثارة الفتنة الطائفية، ولم يراع حرمة البيت ولا حرمة الجمعة ولا حرمة عرض المسلم، فانتهك الحرمات كلها بتلك الإساءات التي لن تضير إخواننا في الدين، وشركاءنا في الوطن، بل تضيره هو لأنها نوع من البغي، وقد قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُم».
وعلينا- كتاباً ومثقفين- أن ندين هذا التصرف، وعلى كل المؤسسات الإسلامية والرموز الدينية أن تستنكره، فهذا العمل مناقض لتعاليم الله ولآداب الدعوة إلى الله، وتصريحات هذا الخطيب. وقد أحسن الشيخ عبدالمحسن العبيكان في مسارعته إلى الرد حين قال: "إن تصريحات هذا الخطيب لا تمثل رأي الحكومة السعودية، وإن خادم الحرمين الشريفين يسعى دائماً إلى نبذ الخلافات بين المسلمين، وتوحيد الكلمة، وترك التطرف بكل أشكاله التي تشق صف الأمة". إن ما تفوه به هذا الخطيب أمر تعاقب عليه كل التشريعات السماوية والوضعية، انتقد الشيعة واتهمهم بالسعي إلى محاصرة السعودية من الجنوب بمساندة الحوثيين، ومن الشمال والشرق عبر لعب أدوار ضدها، وهذا رأي سياسي ليس مكانه منبر الجمعة، وهو تعميم ظالم للشيعة لأن إيران كدولة لها طموحاتها في المنطقة غير الطائفة الشيعية الذين ينتشرون في مختلف البلاد العربية والإسلامية، ولا علاقة لهم بالمخططات الإيرانية! قال الخطيب إن مذهب الشيعة أساسه المجوسية وهم أهل بدع، ورجع إلى التاريخ البعيد ليقول: "إن عدوان الشيعة على السنّة مستمر عبر التاريخ، إذ تعاونوا مع المغول ضد الخلافة العباسية"، ولكن ما علاقة المصلين بهذا التاريخ البعيد؟! ولماذا إشغالهم بتلك الخلافات والنزاعات التاريخية؟ وما المصلحة؟ وما الهدف؟! ولم يكتف الخطيب الداعية بذلك بل تهجم على "السيستاني" من غير سابق إنذار أو مبرر فقال: إنه "شيخ كبير زنديق فاجر"، ولكن ما علاقة السيستاني بالموضوع؟! لأن الحوثيين طلبوا أن يكون هو الوسيط في النزاع مع الحكومة اليمنية، ولم يطلبوا هيئة علماء المسلمين أو الإمام المكي أو الأزهر!! يتناسى هذا الخطيب أن الإساءات كلها من فئه محددة معروفة هي "الفئة الضالة" وهي فئة سنية وليست شيعية، ولم يتورط شيعي واحد في أي مخطط إرهابي ضد السعودية، لكن من يشاهد تصريحات هذا الخطيب يتساءل مستنكراً: أين ذهبت جهود مؤتمرات التقريب؟! وأين ذهبت جهود اللقاءات الفكرية للحوار الوطني السعودي منذ يونيو 2003؟!لعلنا نذكر أن السعودية أولت رعاية خاصة للمؤتمرات واللقاءات ولعلنا نذكر "المؤتمر الإسلامي العالمي الأول للحوار" الذي استضافته مكة المكرمة في يونيو 2008، وحضره أكثر من 800 عالم من المذهبين السني والشيعي، وافتتحه الملك عبدالله. إن جهود كل تلك المؤتمرات واللقاءات على امتداد السنوات الماضية، مهددة اليوم بالضياع! وكل تلك الجهود الحثيثة والمخلصة للتقارب معرضة اليوم للتشكيك في مصداقيتها، ومن هنا على المجامع الدينية ورابطة العالم الإسلامي والإيسيسكو وكل المؤسسات المعنية بالتقريب بذل جهودها عبر اتخاذ موقف حازم وواضح في مواجهة هذه الإساءات. وعلينا أن نمنع "دعاة التطرف والكراهية" من استغلال منابرنا وإلا فقل: وداعاً لمؤتمرات التقريب بين المذاهب! *كاتب قطري
مقالات
وداعاً لمؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية
11-01-2010