سبق أن أجريت تحقيقات كثيرة في ملف حرب العراق (بما فيها تحقيق هولندي اعتبر هذا الأسبوع أن عملية الغزو كانت غير شرعية)، وقد بدأت جميعها منذ فترة طويلة إلى درجة دفعت معظم الناس إلى اعتبار أن التحقيق البريطاني الأخير، بقيادة جون شيلكوت، سيكون بلا جدوى. في الواقع، لقد كان التحقيق مفيداً حتى الآن، لكن الأمر لا يعود بأي شكل إلى تزايد صراحة بعض الجنود والجواسيس والدبلوماسيين منذ تقاعدهم. في 12 يناير، استجوبت لجنة جون شيلكوت، آلاستير كامبيل الذي كان سابقاً أبرز متحدت باسم الحكومة والمسؤول الأول عن تبرير أفعالها. كانت شهادته بمنزلة حصة تدريبية مهمة تسبق الظهور الوشيك للشاهد الرئيسي: رئيسه السابق توني بلير.
على الرغم من السيرة الذاتية المتواضعة لكامبيل، فإنه ساعد في بناء وترويج قضية الحرب المثيرة للجدل. قال كامبيل: «لم يقل أحد فعلياً إن صدام حسين لم يكن يملك أسلحة دمار شامل». إنه أمر صحيح، لقد أدى سجل صدام الحافل في تصنيع واستعمال أسلحة مماثلة، وحدس المفتشين في الأمم المتحدة، وواقع أن الدكتاتور لم يتوقف عن إزعاجهم والتصرف وكأنه مذنب حتى النهاية، إلى الإيحاء بأنه لايزال يحتفظ ببعض أسلحة الدمار الشامل.لكن أنواع الأسلحة كثيرة، لاتزال الأسلحة النووية حتى الآن على رأس أنواع الأسلحة التي تثير الرعب، وقد تبيّن أن الأدلة التي قدمتها بريطانيا والولايات المتحدة للتأكيد على أن صدام كان ينشط لصنع قنبلة نووية خلال وقت قصير لم تكن صحيحة. حين سيخضع بلير للاستجواب حول مسألة أسلحة الدمار الشامل، يجب أن يركّز شيلكوت وزملاؤه على الأسلحة النووية، وتحديداً على إعلان الحكومة بأن صدام قد يطوّر هذا النوع من الأسلحة «في غضون سنة أو سنتين». لابد من إجراء تحقيق أوسع في هذه الادعاءات النووية التي دفعت بلير إلى اعتبار تهديد العراق «خطيراً ووشيكاً».يجب التركيز في المقام الثاني على سبب تغيير أجهزة المخابرات. وصف بلير تلك المخابرات بـ«الشاملة، والدقيقة، والموثوقة»، بينما كانت في الواقع غير كفؤة وقديمة؛ كما وصف الاستنتاجات التقريبية بأنها ترقى «فوق الشبهات». خلال التحقيق، ميّز كامبيل بين تغيير الجُمل والفقرات الواردة في الملفات وتشكيل أجهزة المخابرات فعلياً. مجدداً، إنه أمر عادل بما يكفي، وبالتالي، لا نفع بالنسبة إلى التحقيق من محاولة إثبات الأكاذيب الواضحة التي وردت في تصريحات بلير حول أسلحة الدمار الشامل. يجب أن تركز اللجنة على أمر أدق من ذلك، أي على سياسة الإهمال التي اتبعتها حكومته في التعامل مع مصادر ادعاءاتها، وعدم اعترافها بالشكوك التي تحيط بها، ونزعتها إلى المبالغة في وصف الأمور.ادعاءات فوق مستوى الشبهاتتوجد أيضاً سلسلة من الأسئلة الممتازة حول طريقة التصرف خلال الحرب وتداعياتها. على سبيل المثال، لماذا بدت بعض القوات البريطانية غير مهيأة كلياً لتنفيذ المهمة؟ ولماذا عجزت وزارة المالية التي كان يرأسها غوردون براون، وزير الخزانة البريطاني في تلك الفترة، في توظيف أموالها في الأماكن التي أشار إليها بلير؟ (لقد عُذر براون بشكل مشبوه عن تقديم شهادته حتى انتهاء الانتخابات العامة المرتقبة في بريطانيا). من المخاوف الأخرى في هذا المجال، تبرز مسألة تثير استياءً متزايداً حول تحديد الوقت الصحيح الذي كلّف فيه بلير القوات البريطانية بتنفيذ عملية الغزو، وما إذا كان أعلن أموراً أخرى لجورج بوش والجمهور البريطاني بالتزامن مع ذلك. وما الذي دفعه إلى دخول الحرب من دون الحصول على ضمانات كافية تؤكد وجود خطة أميركية لإعادة البناء بعد الحرب؟ليست هذه المخاوف وليدة خلاف سخيف بين بلير ومنتقديه في وسائل الإعلام، كما أفاد كامبيل أمام لجنة التحقيق هذا الأسبوع. إنها مخاوف مشروعة بعد أن تبين أن صدام ما كان يملك أسلحة دمار شامل، ونظراً إلى التداعيات الكارثية (والمهينة عسكرياً بالنسبة إلى بريطانيا) التي خلّفها احتلال العراق بعد الحرب. لا يقتصر الأمر إذن على مجرد فضول لمعرفة الوقائع التاريخية. فقد السياسيون مصداقيتهم أمام شريحة واسعة من البريطانيين بسبب الكشف عن حيثيات قضية الحرب والتداعيات الكارثية التي خلّفتها، وقد يؤدي هذا الواقع إلى إعاقة مسار السياسة الخارجية البريطانية مستقبلاً، ولا ننسى الكلفة البشرية والمالية التي تكبدتها الحرب. قد يكون مثول بلير أمام لجنة التحقيق آخر وأفضل فرصة لتفسير تلك الأخطاء والتخفيف من الغضب الذي أثارته، شرط طرح الأسئلة المناسبة.
مقالات
بلير وتحقيقات الملف العراقي
24-01-2010