«أرجوكم الحقوني أنا أتعرض لعذاب يومي»، هكذا صرخت طفلة الصليبية التي تشوه جسمها الصغير الغض بسبب الكسور والكدمات والحروق، تغيبت لمدة أسبوع عن المدرسة، لتقضي تلك الزهرة نحبها قبل أن تتفتح بعد أن تركت تنزف بسبب الضرب والتعذيب من قبل أمها ذات القلب الحجر، لم يلحقوها، ولم ينقذوها، تركوها وحدها تواجه مصيرها البائس، بسبب الإهمال، أو الثقافة التربوية المتسيدة، أو قلة الوعي والتحضر، والأهم بسبب انعدام قانون يحمي الطفولة، بالرغم من مصادقة الكويت على اتفاقيات دولية تقضي بحماية حقوق الأطفال وبالرغم من صون الدستور لحقوقهم، لتهمل سياسة العشوائية والتخبط والإهمال أهم ما نملك، مستقبلنا ومستقبل وطننا.
هناك خلف الأبواب المغلقة، الكثير من الأطفال المعذبين، كتلك الطفلة التي صرخت ولم يسمعها أحد، يقبعون في إحدى زوايا البيت وحدهم يرتجفون، لا يعلمون إلى من يلجؤون، أو من يحميهم من قدرهم المحتوم، لا أحد يدري بهؤلاء الأطفال الذين يتمتهم قسوة الوالدين، ولا أحد يعلم بمرارة قلوبهم الصغيرة التي حرمت من أبسط معاني الطفولة وأمانها، وتلك الأجساد التي حملت أثقال الجبال، هكذا أخبرنا مجموعة من الأطباء الشباب أعضاء رابطة حقوق الأطفال الكويتية في الاحتفال بتخرجهم الأسبوع الفائت، من دورات للتوعية بحقوق الطفل وسوء معاملته، سواء بالإيذاء الجسدي أو الجنسي أو النفسي، حيث نجحت تلك الدورات، كما عبر رئيس الرابطة د.جواد المؤمن، في تحقيق أهدافها التوعوية والتعليمية فيما يتعلق بالقدرة على اكتشاف الحالات المشتبه فيها في المستشفيات والمراكز الصحية. وقد شهد أغلب هؤلاء الأطباء حالات كثيرة من العنف الأسري ضد الأطفال، وقرروا كما فعلت «الجمعية الوطنية لحماية الطفل» كسر جدار الصمت عن قضية حساسة لطالما سكت عنها الأطباء والمعلمون والمسؤولون، ليصر هؤلاء أصحاب القلوب الرحيمة والعقول المتحضرة والضمائر الحية أنهم لن يسكتوا بعد ذلك عما يرونه بشكل مستمر من استغلال وإيذاء وتعذيب لأطفال تحجرت الدموع في مآقيهم، وانسلخت جلودهم الناعمة وتكسرت عظامهم الهشة وتورمت عيونهم البريئة، وقصص كثيرة تقشعر لها الأبدان ويهتز لها الكيان.صور كثيرة عرضتها الدكتورة المتميزة منال بوحيمد في محاضرتها المؤثرة التي ألقتها في ذلك اليوم لأطفال قضوا نحبهم بسبب تعرضهم لشتى صنوف التعذيب، صور مبكية موجعة تعصر القلوب وتقلعها من مكانها، أرقتنا وجعلتنا نخرج من القاعة مهمومين على حال أطفال يعيشون في بلد لا قانون فيه يحميهم ويردع من يتعدى عليهم، ويتقاعس في رفع الظلم عنهم، وإيجاد آليات وقائية كالإبلاغ والاكتشاف والتحقيق وتوفير مراكز إيواء لهم ومراكز تأهيلية وغيرها من البرامج المعمول بها في الدول المتحضرة.إن العنف ضد الأطفال لا يقتصر فقط على التعذيب الجسدي، لكنه يشمل أيضا العنف النفسي (بحجة التأديب في حالات كثيرة) كالشتم والإهانة والحبس والرفض والترهيب والتمييز والإهمال العاطفي والإهمال الطبي والجسدي والتربوي والفكري، ولا ينحصر بالأسرة بل يمتد ليشمل المدرسة ودور الرعاية وأماكن عمل الصغار، كما يتجلى العنف في أبشع صوره حين يمارس ضد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يكفيهم عذاب الإعاقة، ولكنه يزيدهم أوجاعا وعذابات، أو الأطفال المهمشين كالأطفال الذين يجوبون الشوارع ويجبرون على العمل.وتضيع حقوق الأطفال، أقيم ما نملك، وسط العراكات السياسية والتطاحن الطائفي والتحارب المذهبي وتصفية الحسابات والمصالح الانتخابية، ونركض وراء قوانين للكرة الصماء، وننسى الأطفال الذين يئنون ويتألمون ونحن منشغلون عنهم بسفاسف الأمور وأتفهها، كيف لنا أن نطلب المغفرة منهم؟ وكيف نعتذر عن خطيئتنا؟ وكيف ننام ملء جفوننا؟ فلنططئ رؤوسنا ولنحنها خجلا وخزيا على ما ارتكبناه تجاههم.كيف تسامحنا العيون الخائفة الصغيرة التي تصرخ بصمت: أنقذوني؟ ولكن لا قانون يحميهم سوى القرار الإنساني الشجاع والأول من نوعه في الكويت لوزير الصحة د. هلال الساير الذي يلزم الأطباء بالإبلاغ عن اشتباه في حالات الاعتداء أو الإهمال الجسدي أو النفسي للأطفال، عل وعسى أن يرى النور الاقتراح بقانون الذي تقدم به النواب ناجي العبدالهادي ود. أسيل العوضي وعبدالرحمن العنجري ومسلم البراك ووليد الطبطبائي فيما يتعلق بالحقوق المدنية والاجتماعية للطفل، وأن يضع حلولا حضارية لمشكلة العنف ضد الأطفال.وهو ما تسعى إليه رابطة حقوق الأطفال الكويتية، فشكرا دكتورة حنان الرزوقي، عضوة الرابطة، التي صرخت: «لن نسكت بعد اليوم»، وشكرا لرفاقها، الذين اجتمعوا لنجدة هؤلاء الأطفال المغلوب على أمرهم المحرومين من الضحك واللعب والانطلاق في الحياة كباقي رفاقهم، والذين يتأوهون بوجع ونظرات أعينهم المتعبة تصيح: أرجوكم الحقونا، فتحية إكبار وإجلال لكم يا شبابنا الواعد، كم نحن فخورون بكم. * شكر وتقدير للعقيد محمد الصبر مدير إدارة الإعلام الأمني والناطق الرسمي لوزارة الداخلية على تفاعله الطيب مع مقالي السابق، شكراً على وجودكم الدائم. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
أرجوكم الحقونا
06-01-2010