إذا سألنا أيّ إيراني عن أوّل ما يخطر على باله عند سماع اسم فريد الدين حداد عادل، فسيجيب على الأرجح (في حال سمع به) بأنه ابن المتحدث السابق باسم البرلمان غولام علي حداد عادل، وإذا سألنا الإيرانيين عن معلومات أخرى عنه، فعندها سيقولون إنه حفيد القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي، لكن لن يصفه أحد على الأرجح كأحد أشهر الصحافيين في إيران لأنه في الواقع ليس كذلك.

Ad

بالتالي، حين قرر حداد عادل الابن كتابة افتتاحية للموقع الإخباري الإلكتروني جاهان (التابع لوكالة الاستخبارات الإيرانية الأساسية فافاك)، في شهر فبراير، حيث توقع نشوب حرب جديدة وشيكة ضد إيران، لم يلتفت أشخاص كثيرون إلى ما كتبه، ولم يهتمّوا أيضاً بوجهة نظره بشأن البلد الذي سينفّذ الاعتداء:

"في حال اعتبرنا أنّ الحرب خيار وارد، فعلينا التنبه إلى الوسائل المستخدمة لتحمّل عبء هذه الحرب. أين يقع البلد الذي يتمتع بأنسب موارد بشرية؟ أي بلد قد يأمل في دخول أصدقائه الأوروبيين والأميركيين إلى ساحة الحرب في حال خاض الحرب ضدنا؟ هل سيكون حلف شمال الأطلسي داعماً لعدوّنا المستقبلي أو للجامعة العربية؟ الجواب واضح. تركيا هي الخيار الوحيد لتحقيق طموحات الغرب".

في الواقع، كانت علاقات إيران مع تركيا تتحسن على نحو هائل في الفترة التي نُشر فيها ذلك المقال، وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد زار طهران في 28 أكتوبر من السنة السابقة، وقد اعتُبرت زيارة ناجحة جداً والتقى خلالها بالقائد الأعلى الإيراني وبالرئيس محمود أحمدي نجاد. اجتمعت هذه العوامل كلها، بالإضافة إلى سمعة حداد عادل كشخص وصل إلى منصبه كرئيس المجلس السياسي لمجلة هامشاهري جافان (أي هامشاهري للشباب) بسبب معارف عائلته لا بناءً على مهاراته الفردية، لتدفع بالكثيرين إلى تجاهل توقعات حداد عادل المثيرة للجدل، لكنه قد يكون محقاً في بعض الأمور.

ربما يشعر البعض في الغرب بالقلق من تشكّل تحالف جديد بين إيران وتركيا، لكن عليهم أن يدركوا أيضاً أنّ تقارب العلاقات ظاهرياً بين البلدين لا يمنع أنّ البعض في إيران يشتبهون بنوايا تركيا. قد تكون تركيا صديق اليوم، لكن بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، فهي خصم الغد.

الأدلّة واضحة. صرفت الحكومة الإيرانية مئات ملايين الدولارات لدعم "حماس"، لكن في هذه الأيام، يلقى العلم التركي، لا العلم الإيراني، رواجاً كبيراً في غزة. حتى أنّ بعض الناس يطلقون اسم أردوغان على أبنائهم "لكن يبدو أنّ أحداً لا يطلق اسم أحمدي نجاد على ابنه".

تزامناً مع ذلك، يعتبر بعض الإيرانيين أنّ حادثة الأسطول التركي لا يجب اعتبارها هجوماً على الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، بل هي أولاً وأخيراً اعتداء على نفوذهم في غزة، وأكبر دليل على ذلك هو الجهود التي تبذلها إيران لإرسال أسطولها الخاص. لا يقضي هدف إيران الأساسي بمساعدة الفلسطينيين الذين يعانون عواقب الحصار، وربما يحتلّ هذا الهدف المرتبة الثانية أو الثالثة على لائحة الاعتبارات الإيرانية، أما هدفها الأول، فهو يقضي في الواقع بإنقاذ مكانتها ونفوذها في غزة مقارنةً بالنفوذ التركي، وتحسين صورتها في العالم الإسلامي كمدافع أول عن القضية الإسلامية.

ينطبق الأمر نفسه على سورية، فطوال سنوات، حاولت إيران السيطرة على السوق السورية، ونقلت التقارير أنّ المسؤولين الإيرانيين كانوا يحاولون استمالة مؤيدي حكم الأقلية السوريين من أمثال رامي مخلوف وعائلة الأسد عن طريق الرشوة، وكانوا يستثمرون أيضاً في سورية في الفترة التي واجهت فيها هذه الأخيرة عزلة دولية وما كان أحد ليستثمر فيها. كان هذا الوضع القائم بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، والآن ها قد وصل الأتراك إلى الساحة، وها هم يخترقون الاقتصاد السوري ويستولون على حصص السوق من إيران. إنّ واقع أنّ البلدين يتشاركان الحدود (على عكس إيران) يجعل تركيا وجهة أكثر جاذبية من غيرها.

تشير سياسات أردوغان الأخيرة إلى أنه يسير نحو تحويل تركيا إلى زعيمة العالم الإسلامي، تحديداً في الشرق الأوسط- وهو أمر تحاول إيران تحقيقه منذ 32 عاماً. سيقودهما هذا الواقع في نهاية المطاف إلى التنافس والاشتباك بسبب مناطق النفوذ.

بين البلدين، تتمتع تركيا باقتصاد أكبر وأكثر تطوراً، كما أنّ علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أفضل بكثير من علاقات إيران مع هذه الأطراف. ينطبق الأمر نفسه على علاقاتها مع الدول السنية والشيعية في آن. نتيجةً لذلك، يساهم تحسين العلاقات مع تركيا في تعزيز الاحتمالات الإيجابية وتوفير عائدات أفضل إلى عدد من الدول والجماعات في الشرق الأوسط. صحيح أنّ هذه الدول لن تقطع علاقاتها مع إيران، إلا أنّ تنامي الوجود التركي في المنطقة سيكلّف طهران الكثير.

سيبحث القادة الإيرانيون قريباً عن نوع من التفوق في المنافسة القائمة بين البلدين، ونظراً إلى تدهور اقتصادهم والعزلة المتزايدة التي يواجهها بلدهم، يُعتبر تحوّل إيران إلى بلد مسلّح نووياً أفضل وأنسب خيار ليتفوّق القائد الأعلى الإيراني على الأتراك.

* مير جافدانفار | Meir Javedanfar