نفّذ جورج ماكغوفرن 35 غارة قصف فوق أوروبا أثناء الاحتلال النازي لها خلال الحرب العالمية الثانية ونال ميدالية Distinguished Flying Cross لبسالته، لكنه خسر في 49 ولاية في انتخابات عام 1972، وتلقى جون كيري ثلاث ميداليات Purple Heart لخدمته العسكرية في فيتنام، لكنه انهزم في عام 2004 أمام جورج بوش الذي أمضى فترة الحرب بأمان في بلاده في حرس تكساس الوطني الجوي. لسبب أو لآخر، غالباً ما وجد الديمقراطيون صعوبةً في إقناع الناخبين بأنهم يستطيعون أن يكونوا قادة حرب بارعين، وذلك بغض النظر عن عظمة سِيَرهم. فهل ستعيد الفوضى في استراتيجية باراك أوباما في أفغانستان هذا الأسبوع الفكرة القديمة القائلة إنه لا يجب وضع الأمن القومي في رعاية الديمقراطيين؟     

Ad

سيكون أوباما أول من يعترف بأن الأمر تطلّب بعض الجرأة من منظم مجتمع سابق للترشّح ضد بطل حرب جمهوري أصيل في عام 2008 حين كانت الولايات المتحدة تخوض حرباً على جبهتين. فقد ساعدته ثلاثة أمور على مضاهاة خبرة جون ماكين العسكرية: أولاً، أصاب منظم المجتمع السابق هذا، في نظر الكثير من الأميركيين، في معارضة غزو العراق، ثانياً، باتت مسألة الاقتصاد، في يوم الاقتراع، الهاجس الأهم بالنسبة إلى معظم الناخبين بدلاً من كلتا الحربين، وأخيراً، التزم أوباما الحذر في تفادي إعطاء الانطباع بأن هذا الديمقراطي المميّز أشبه بحمامة هادلة. سنقاتل، لكنه سيقاتل الحرب الصالحة في أفغانستان، وليس الحرب غير الشرعية في العراق.

منذ تولّى أوباما زمام الرئاسة، أدّى دوره جدّياً كمحارب، فواجه انتقادات خلال مسار حملته لإعلانه أنه سيقصف تنظيم القاعدة داخل باكستان لكنه أرسل في المقابل طائرات من دون طيّار تابعة لوكالات الاستخبارات المركزية لتنفيذ تلك المهمة بآثار دموية. وللحرص على الاستمرارية في سياسة الأمن القومي وحماية طرف سياسي هش، طلب من وزير الدفاع في عهد بوش، روبرت غيتس، البقاء في منصبه. كذلك دفع بغيتس إلى استبدال الجنرال اللامبالي ديفيد ماكيرنان في أفغانستان بأستاذ العمليات العسكرية السرية الذي يعتمد أسلوب القراصنة، ستانلي ماكريستال، وفي الجزء الأخير من عام 2009، وبعد أسابيع من النقاشات المكثّفة، عدّل أوباما الاستراتيجية الأفغانية وقرر إرسال 30 ألف جندي إضافي، الأمر الذي رفع إجمالي عدد الجنود الأميركيين إلى 100 ألف. من جهة أخرى، استغل خطاب القبول الذي أدلاه بمناسبة نيله جائزة نوبل للسلام في ديسمبر الماضي للشرح لبعض دعاة السلام الاسكندنافيين القلقين سبب كون بعض الحروب، كتلك التي ضد "القاعدة"، عادلة وضرورية، وذلك خشية ألا تكون رسالته عن التصميم القتالي قد لاقت آذاناً صاغية.

في الإجمال، لم يتردد أوباما في خوض تلك الحرب وقد شنّها بطريقة منهجية مميّزة، لكن بحسب أحد الأقوال العسكرية القديمة، ما من خطة تصمد عند الاحتكاك مع العدو، وبغض النظر عن مدى منهجية تخطيطه، لم تثمر الحرب نتائج إيجابية.

إن كان الناخبون لا يولون اهتماماً كبيراً في الآونة الأخيرة، فذلك لأنهم مأخوذون بأمور أخرى لم تجر وفق الخطة، مثل إيجاد الوظائف والمساعي الرامية إلى وقف التدفّق النفطي في خليج المكسيك. ففي الأسابيع الأخيرة، انتقدت وسائل الإعلام الرئيس لعجزه عن معالجة مسألة التسرّب، كذلك سخر الأعداء من وعده الذي ينطوي على رجولة مزيّفة بـ"الضرب بيد من حديد". لعلّ توقيت قضية ماكريستال إذن جعله يشعر بضرورة الإصرار على استقالة هذا القائد الرديء. كان على أوباما إظهار قدرته على أن يكون حازماً، وقد نجح في ذلك، لكنه سيدفع ثمناً سياسياً.

لا شك أن بعض خصومه سيقولون إن أوباما وضع كبرياء البيت الأبيض فوق مواصلة الحرب بنجاح حتّى النهاية، بالرغم من أن اختيار بطل العراق، ديفيد بترايوس، للحلول محل الجنرال ماكريستال سيهدئ تلك المخاوف إلى حد كبير. لكن الإخفاق الحقيقي الذي كشفته معمعة ماكريستال أن الأعضاء البارزين في فريق الأمن القومي الذي عيّنه الرئيس يعاني حالة ارتباك وتشويش وأنه سمح لهم بالبقاء على هذا الحال لفترة من الوقت. بنتيجة الأمر، لم يمض وقت طويل على أحداث هذا الأسبوع حتى أُثير مجدداً السؤال عمّا إذا كان الديمقراطيون يستطيعون قيادة القوّات المسلّحة بقدر الجمهوريين. في هذا الإطار، يذكر ليس جيلب، صحافي مخضرم ومسؤول سابق في وزارة الدفاع، بأن الجنرالات يضعون ثقةً أكبر بالسياسيين الجمهوريين لإصدار أوامر واضحة والمثابرة حتّى النهاية حين تأخذ الحروب منحىً سيّئاً.

معارضة من اليسار أيضاً

من الظلم إصدار مثل هذا الحكم على رئيس تمسّك حتّى اليوم بعناد بمبدئه القائل إن الحرب في أفغانستان ضرورية ولا تستطيع الولايات المتحدة الانسحاب منها. بالفعل، يعتقد ديمقراطيون كثر في الجناح الليبرالي لحزب الرئيس بأنهم هم من يملكون الدافع الأكبر للتذمر. يقول البعض إنه من الصعب الانتصار في هذه الحرب وإنه ما كان يجب أن يدعمها بجنود إضافيين، فالذكريات عن كيفية تهدّم أحلام ليندون جونسون بتطبيق برنامج "المجتمع الكبير" بسبب حرب فيتنام تطارد كبار السن في الحزب. في المقابل، يشتكي الديمقراطيون الأصغر سناً من أن أوباما يرضخ لمطالب جنرالاته، إذ لم يف بوعده بإغلاق سجن غوانتنامو، ويماطل في تنفيذ وعده بالسماح لمثليي الجنس بالخدمة علناً في الجيش، وذلك خشية مواجهة الاعتراضات نفسها التي لقيها بيل كلينتون من المؤسسة العسكرية.

يبدو أن أوباما يريد الجمع بين هدفين نقيضين، وذلك مبرر، فعلى غرار جونسون من قبله، يبدو منقسماً بين رغبته في بناء دولة أميركية ليبرالية وحاجته إلى خوض حرب قديمة الطراز في الخارج. يريد الانتصار في أفغانستان لكنه يدرك محدودية الإنجازات التي تستطيع الولايات المتحدة تحقيقها هناك. يريد التحلي بالجرأة والتصميم لتحقيق أهدافه لكنه يرغب أيضاً في ولاية ثانية. للموازنة بين هذه الرغبات، استخدم لذلك حنكةً أكبر بما يخدم مصلحته. فقد أثمرت المراجعة العظيمة التي جرت في الخريف الماضي خطّة كثّفت الجهود العكسرية في الحرب على عجل، وحدّدت شهر يوليو 2011 موعداً للبدء بإنهائها تدريجياً أيضاً، وذلك تمهيداً لانتخابات عام 2012. كان الهدف من ذلك منح الجنرالات فرصة لإحراز تقدّم ومنح نفسه فرصة لسحب القوات في حال فشل هؤلاء.

ينم ذلك عن عبقرية أكبر من رفض بوش تصديق الخبراء الذين أخبروه بأن حرب العراق خاسرة، لكن الانتصار في حرب يتطلّب إرادة مصممة فضلاً عن ذكاء حاد. يتمتع أوباما بالميزة الأخيرة، لكن يبقى الانتظار لمعرفة إن كان يتحلى بالتصميم للالتزام بحرب لا تلقى شعبيةً.