الاختلاط في الخلاط!
الشيخ محمد النجيمي يحرِّم الاختلاط في العمل... ولكنه يمارسه بحكم عمله! والشيخ أحمد الغامدي يحلل الاختلاط في العمل... ولكنه يمنعه بحكم عمله! ونحن مزيج يجمع بين الرؤيتين، شيء من هذا وشيء من ذاك، نمارس الاختلاط في اللحظة التي نحرمه فيها، ونمنعه في اللحظة التي نرى فيها جوازه وإباحته!
من بعيد نبدو مثل فريقين مختلفين بشدة: بعضنا مع النجيمي... والآخرون مع الغامدي، ولكن حين يتم تقريب الصورة أكثر... يتضح أننا ننقسم إلى فرق عدة يتداخل بعضها ببعض حتى تشكل في نهاية المطاف: فريقاً واحداً لا يتفق مع نفسه! بعضنا يؤيد الاختلاط، ولكنه يعارض «الخلطبيطة»، والبعض الآخر يؤيد «الخلطبيطة»، لكنه يعارض الاختلاط! وقسم ثالث يعارضهما معاً، وقسم رابع يؤيدهما معا «الاختلاط والخلطبيطة معاً... ما المشكلة؟»، وفريق خامس يطالب بعدم الخلط بين الاختلاط و»الخلطبيطة»!الاختلاط متاح في المستشفى والطائرة لأنه مؤقت، وممنوع في العمل والدراسة لأنه دائم، متاح في السوق لأنه ضروري، وممنوع في الدوائر العامة لأنه غير ضروري! متاح في محل الملابس الداخلية النسائية لأنه مدسوس... وممنوع في مهرجان ثقافي لأنه مكشوف، متاح في الخارج لأنه عارض... وممنوع في الداخل لأنه معروض! تختلط الأوراق فيصبح الملف غير قابل للقراءة، وتختلط الأفكار فيصبح العقل غير قادر على العمل. يضيع الحق تحت ضجيج الباطل ويصبح الحوار مستحيلاً والكلمات بلا معنى، إذا كنت من فريق الإباحة، فعليك أن تستعد لمواجهة التهم العجيبة التي تمتد من العلماني إلى الديوث، واذا كنت من فريق «المنع» فعليك أن تستعد لمواجهة التهم السريعة التي تمتد من الرجعي إلى الإرهابي! لا توجد منطقة في المنتصف، دائرة ما تجمع بين المعقول هنا والمعقول هناك (... ونطلع بكوكتيل عارض يخلط بين النجيمي والغامدي!)، نحن لا نملك الوقت لمعرفة ما يفيدنا وما يضرنا، نحول المسألة فوراً إلى صراع بين الفضيلة والرذيلة ومعركة بين الخير والشر، نبحث عن قنابل صوتية في خفايا الكلمات، نتبادل القذف والشتم والاتهامات لأننا لا نريد أن نفكر في ما هو جائز أو غير جائز، أما تعريفنا لحرية النقاش فهو: أن يتوقف الطرف الآخر عن الكلام!الاختلاط في الخلاط، بين الحوار والاستعباط، وبين الاستدلال والاستنباط، وبين النقاش والانحطاط، خمسون عاما من المطاط: بريدجستون... لطريق طويل لا ينتهي!* كاتب سعودي