جميلة بو حيرد والانظمة العربية
قالوا لها بنت الضياء تأملي ما فيك من فتن ومن أنداء
سمراء زان بها الجمال لواءه واهتز روض الشعر للسمراءمناضلة جزائرية ولدت عام 1935 وكانت البنت الوحيدة لـ7 إخوة، ورغم الدلال الأسري الذي تتمتع به البنت الوحيدة في مجتمعاتنا العربية فإنها أبت الحياة الناعمة المخملية الهادئة، وانضمت إلى جبهة التحرير الوطني الجزائري عام 1954 لتناضل ضد الاحتلال الفرنسي، وتخصصت في زرع القنابل، وقامت بعمليات كثيرة قضّت مضاجع الفرنسيين، وأثناء إحدى العمليات عام 1957 أصيبت برصاصة في الكتف، فتم القبض عليها وتعذيبها بشتى أنواع التعذيب والصعق بالكهرباء، مما استفز ملايين الأحرار من جميع أنحاء العالم فأرسلوا برقيات الاستنكار والتنديد إلى لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة التي اجتمعت- لأول مرة من أجل مناضلة وطنية- وأدانت تعذيب الفرنسيين لها، ورغم الأهوال التي عانتها لم تعترف على زملائها.وأثناء محاكمتها قالت جملتها الشهيرة «أعلم أنكم ستحكمون عليّ بالإعدام ولكن لا تنسوا أنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلادكم، ولن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة»، وبالفعل حكم عليها بالإعدام، وقال نزار قباني عن محاكمتها في قصيدة طويلة (في جزء منها) أجمل طفلة في المغرب:«أتعبت الشمس ولم تتعبيا رب هل تحت الكوكبيوجد إنسان يرضى أن يأكل أن يشربمن لحم مجاهدة تصلب».وإنقاذا لسمعة فرنسا أمام الضمير الإنساني العالمي تم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد، فنالت لقب «الشهيدة الحية»، ومع تحرير الجزائر تم الإفراج عنها مع باقي المناضلين الجزائريين.هذه المناضلة العربية العظيمة ترسل الآن بنداء استغاثة إلى الحكومة والشعب الجزائري طلبا للعلاج والعيش الكريم... هل يتخيل أحد ذلك؟! مناضلة بقيمة ومكانة جميلة بوحريد- كما نقولها في مصر- تستغيث طلبا للعلاج وهي التي في شبابها جعلت فرنسا كلها تستغيث من مقاومتها... يا للعجب!!ويطرح السؤال نفسه: لماذا تتجاهل الأنظمة العربية الحاكمة مناضليها وقادة مقاومتها؟ وعلى سبيل المثال والتأكيد: أين أبطال حرب أكتوبر السبعينيات في مصر وقبلهم فدائيو الخمسينيات في القناة؟ وكيف يعشون الآن؟ وهل يحتاجون إلى مساعدة؟ ومن يقدمها لهم؟ وأين أبطال مقاومة الغزو العراقي للكويت؟ وأين يعملون؟ وهل يعيشون وأسرهم حياة كريمة؟ وكذلك الحال في المغرب وليبيا وسورية... في كل مكان في وطننا العربي لماذا تتجاهل الأنظمة مناضليها التاريخيين؟ سؤال تجب الإجابة عنه بصراحة.الحقيقة أن الأنظمة الحاكمة، التي لولا كفاح هؤلاء الأبطال لما كان لها أن تكون، أصبحت الآن تخشاهم أو- بصراحة- تخشى تحولهم إلى قدوة للشباب يلتزمون طريقها ويؤمنون بنهجها، ويسيرون على هداها... لماذا؟ لأن الأنظمة لا تريد للحس الوطني أن ينمو، ولا تريد للشعور بالكرامة أن يزداد... لماذا؟ لأن الحس الوطني والدفاع عن الكرامة والمطالبة بها يعني ببساطة القضاء على هذه الأنظمة ورحيلها.إن تمسك الشباب العربي برموز نضاله واستلهام روحهم الفدائية وحقهم في وطنهم كل ذلك يعني الرفض لأنظمة الحكم الاستبدادية، وهذا بالتحديد ما تخشاه الأنظمة العربية.لذلك تعمد الأنظمة الحاكمة إلى التقليل من شأن هؤلاء الأبطال وعدم الحديث عنهم، وإخفاء أخبارهم، بل تعمد أيضا إلى إبراز نماذج أخرى لتستهوي الشباب من فنانين ورياضيين ولا عبي كرة، آملة أن ينشغل بهم الشباب ويتخذوهم قدوة بديلا عن النماذج الحقيقية للمناضلين الشرفاء... فهل ستنجح الأنظمة العربية في طمس تاريخ المناضلين؟