عشرون عاماً مرت على النكسة الحقيقية التي حلت على الأمة العربية، ففي صباح الخميس الأسود 2 أغسطس 1990، انتكست الأمة بحدث كانت ساحته دولة الكويت الصغيرة وشعبها وسكانها القليلين الذين دفعوا ثمن قيح دمامل زعامات العسكر وجمهوريات الخوف "الوراثية" واستبدادهم الكبير الذي كبل الأمة ودمرها، هي نكسة قومية حقيقية لأنها جاءت من داخل الجسد العربي لا من عدو خارجي يمكن أن تنكسر في مواجهته مرة فتلملم الجراح، ويتنادى له سائر أعضاء الجسد العربي للتوحد في مواجهته والمثابرة لهزيمته مهما طال الزمن، ولذلك دفع العرب جميعاً أثماناً غالية في عدة مواقع وقضايا مصيرية ثمنا لجريمة وخطيئة صدام حسين وعصبته في حق شقيقه الكويتي، وقبل ذلك بحق شعبه وبقية جيرانه، وهي الجريمة التي تستحق أن تكون نكسة العرب الكبرى.

Ad

ورغم المدة الزمنية القصيرة التي مرت على الجريمة فقد تسامينا على الجراح، ولكن دون أن نفرط في الحقوق، وكنا أول من مد يده إلى العراق وشعبه بعد أن تخلص من كابوسه الصدامي، مع أننا فقدنا أفضل رجالنا ونسائنا وحتى فتياننا في مواجهة تلك الخيانة والغدر من جارنا العراقي في صيف 1990، لأننا نؤمن بأن حقائق الجغرافيا والأخوة والتاريخ لا يمكن نسخها أو تغييرها، لكننا وكحال العرب جميعاً لا نتعلم من دروس التاريخ، فالعراق في مخاض عصيب في منازعاته الطائفية والعرقية، التي تنعكس بين فترة وأخرى على الساحة المحلية الكويتية والمنطقة، بعد أن توقعنا أن محنة 30 عاما من حكم البعث وعائلة المجيد ستخلق منه ألمانيا أو ياباناً جديداً، كما حدث في سوابق ومحن شهدها العالم لدول خرجت من حروب وحكم دكتاتوري.

وفي الكويت لم نكن أفضل حالاً بكثير من جار الشمال، فقد تلاشت دروس وعبر الغزو سريعا وعدنا إلى سابق حالنا نتصارع على ثروة البلد، ونسينا وعود وآمال الأشهر السبعة المظلمة بصنع كويت جديدة أقوى وأجمل وأعدل دون تفرقة بين أبنائها الصامدين والمرابطين في الداخل والخارج، وتناسينا كذلك عهودنا لدماء شهدائنا بأن نجعل الديرة ومصلحة أبنائها قبل أي اعتبار، وطفحت على السطح خطوط التمييز المناطقي والمذهبي والاجتماعي، وأضحى الغزو بمرارته وأحداثه مجرد أفلام وثائقية وصور تذكارية وأغانِ وأوبريتات وطنية أغلبها دون مضمون.

واليوم ونحن نسترجع أحداث تلك الفاجعة في ذكراها العشرين المقيتة، علينا أن نفتح حوارات الاستفادة من دروسها مع أنفسنا وحتى مع جيراننا العراقيين بعد أن أهملنا ذلك سنوات طويلة، فنحن والجيل الحالي لسنا معنيين بالتسجيلات الوثائقية لطائرات الـ"إف15" وصواريخ "كروز" الأميركية ولا قاذفات الـ"ميراج" الفرنسية والــ"الهورنيت" البريطانية التي دكت معاقل الغدر الصدامي في ليلة السابع عشر من يناير 1991 وحررت وطننا، بل مهتمون بالعقول التي صنعتها وخلقت الرفاهية والتطور للشعوب الأوروبية بعد حروب طاحنة امتدت حتى منتصف القرن الماضي، والتي استفادت حق الاستفادة من تجاربها، وأنا على يقين بأننا إن استوعبنا دروس وعبر فاجعة 2 أغسطس 1990 كويتيين وعراقيين وكل أهل المنطقة، وبررنا بوعودنا وعهودنا في تلك الأيام الصعبة ككويتيين لوطننا، فسنضمن محلياً وعربياً ألا تمر شعوبنا بكارثة مماثلة تسفك فيها الدماء وتنتهك فيها الأعراض وتسلب فيها الممتلكات وتهدر مقدرات الشعوب، وأنا على ثقة بأن الشعبين الكويتي والعراقي قادران على فعل ذلك بعلاقات وتعاون بشكل جديد -وإن تأخرإنجازه- لإعطاء مثل وقدوة لأهل المنطقة والعرب جميعا هم في أشد الحاجة إليهما.